نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة مريم آية 92
وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا

التفسير الميسر وما يصلح للرحمن، ولا يليق بعظمته، أن يتخذ ولدًا؛ لأن اتخاذ الولد يدل على النقص والحاجة، والله هو الغني الحميد المبرأ عن كل النقائص.

تفسير الجلالين
92 - (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) أي ما يليق به ذلك

تفسير القرطبي
قوله تعالى{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} يعني اليهود والنصارى، ومن زعم أن الملائكة بنات الله.
وقرأ يحيى وحمزة والكسائي وعاصم وخلف{ولدا} بضم الواو وإسكان اللام، في أربعة مواضع : من هذه السورة قوله تعالى : {لأوتين مالا وولدا}[مريم : 77]وقد تقدم قوله وقوله{أن دعوا للرحمن ولدا.
وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا}.
وفي سورة نوح {ماله وولده}[نوح : 21] ووافقهم في {نوح} خاصة ابن كثير ومجاهد وحميد وأبو عمرو ويعقوب.
والباقون في الكل بالفتح في الواو واللام وهما لغتان مثل والعرب والعرب والعجم والعجم قال : ولقد رأيت معاشرا ** قد ثمروا مالا وولدا وقال آخر وليت فلانا كان في بطن أمه ** وليت فلانا كان ولد حمار وقال في معنى ذلك النابغة : مهلا فداء لك الأقوام كلهم ** وما أثمر من مال ومن ولد ففتح.
وقيس يجعلون الولد بالضم جمعا والولد بالفتح واحد قال الجوهري الولد قد يكون واحدا وجمعا وكذلك الولد بالضم ومن أمثال بني أسد ولدك من دمى عقبيك وقد يكون الولد جمع الولد مثل أسد وأسد والولد بالكسر لغة في الولد النحاس وفرق أبو عبيدة بينهما فزعم أن الولد يكون للأهل والولد جميعا قال أبو جعفر وهذا قول مردود لا يعرفه أحد من أهل اللغة ولا يكون الولد والولد إلا ولد الرجل، وولد ولده، إلا أن ولدا أكثر في كلام العرب؛ كما قال : مهلا فداء لك الأقوام كلهم ** وما أثمر من مال ومن ولد قال أبو جعفر وسمعت محمد بن الوليد يقول : يجوز أن يكون ولد جمع ولد كما يقال وثن ووثن وأسد وأسد، ويجوز أن يكون ولد وولد بمعنى واحد كما يقال عجم وعجم وعرب وعرب كما تقدم.
قوله تعالى{لقد جئتم شيئا إدا} أي منكرا عظيما؛ عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما.
قال الجوهري : الإد والإدة الداهية والأمر الفظيع ومنه قوله تعالى {لقد جئتم شيئا إدا} وكذلك الآد مثل فاعل.
وجمع الإدة إدد.
وأدت فلانا داهية تؤده أدا (بالفتح).
والإد أيضا الشدة.
[والأد الغلبة والقوة] قال الراجز : نضون عني شدة وأدا ** من بعد ما كنت صملا جلدا انتهى كلامه.
وقرأ أبو عبدالله وأبو عبدالرحمن السلمي {أدا} بفتح الهمزة النحاس يقال أد يؤد أدا فهو آد والاسم الإد؛ إذا جاء بشيء عظيم منكر وقال الراجز قد لقي الأقران مني نكرا ** داهية دهياء إدا إمرا عن غير النحاس الثعلبي وفيه ثلاث لغات {إدا} بالكسر وهي قراءة العامة {وأدا} بالفتح وهى قراءة السلمي و{آد} مثل ماد وهي لغة لبعض العرب رويت عن ابن عباس وأبي العالية؛ وكأنها مأخوذة من الثقل [يقال] : آده الحمل يؤوده أودا أثقله.
قوله تعالى{تكاد السماوات} قراءة العامة هنا وفي {الشورى} بالتاء.
وقراءة نافع ويحي والكسائي {يكاد} بالياء لتقدم الفعل.
{يتفطرن منه} أي يتشققن وقرأ نافع وابن كثير وحفص وغيرهم بتاء بعد الياء وشد الطاء من هنا وفي {الشورى} ووافقهم حمزة وابن عامر في {الشورى} وقرأ هنا {ينفطرن} من الانفطار وكذلك قرأها أبو عمرو وأبو بكر والمفضل في السورتين.
وهي اختيار أبي عبيد تعالى {إذا السماء انفطرت}[الإنفطار : 1] وقوله{السماء منفطر به}[المزمل : 18] وقوله{وتنشق الأرض} أي تتصدع {وتخر الجبال هدا} قال ابن عباس : (هدما أي تسقط بصوت شديد) وفي الحديث (اللهم إني أعوذ بك من الهد والهدة) قال شمر قال أحسد بن غياث المروزي الهد الهدم والهدة الخسوف.
وقال الليث هو الهدم الشديد كحائط يهد بمرة يقال هدني الأمر وهد ركني أي كسرني وبلغ مني قاله الهوري الجوهري وهد البناء يهده هدا كسره وضعفه وهدته المصيبة أي أوهنت ركنه وانهد الجبل انكسر.
الأصمعي : والهد الرجل الضعيف يقول الرجل للرجل إذا أوعده إني لغير هد أي غير ضعيف وقال ابن الأعرابي : الهد من الرجال الجواد الكريم وأما الجبان الضعيف فهو الهد بالكسر وأنشد : ليسوا بهدين في الحروب إذا ** تعقد فوق الحراقف النطق والهدة صوت وقع الحائط ونحوه تقول هديه (بالكسر) هديدا والهاد صوت يسمعه أهل الساحل يأتيهم من قبل البحر له دوي الأرض وربما كانت منه الزلزلة ودويه هديه النحاس {هدا} مصدر لأن معنى {تخر} تهد وقال غيره حال أي مهدودة{أن دعوا للرحمن ولدا} {أن} في موضع نصب عند الفراء لأن دعوا ومن أن دعوا فموضع {أن} نصب بسقوط الخافض وزعم الفراء أن الكسائي قال هي في موضع خفض بتقدير الخافض وذكر ابن المبارك : حدثنا عن واصل عن عون بن عبدالله قال قال عبدالله بن مسعود : إن الجبل ليقول للجبل يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال نعم سر به ثم قرأ عبدالله {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} الآية قال أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير؟! قال وحدثني عوف عن غالب بن عجرد قال حدثني رجل من أهل الشام في مسجد منى قال إن الله تعالى لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم تك في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة وكان لهم منها منفعة، فلم تزل الأرض والشجر كذلك حتى تكلم فجرة بني آدم تلك الكلمة العظيمة قولهم {اتخذ الرحمن ولدا} فلما قالوها اقشعر الأرض وشاك الشجر وقال ابن عباس اقشعرت الجبال وما فيها من الأشجار والبحار وما فيها من الحيتان فصار من ذلك الشوك في الحيتان وفي الأشجار الشوك وقال ابن عباس أيضا وكعب فزعت السموات والأرض والجبال وجميع المخلوقات إلا الثقلين وكادت أن تزول وغضبت الملائكة فاستعرت جهنم وشاك الشجر واكفهرت الأرض وجدبت حين قالوا {اتخذ الله ولدا} وقال محمد بن كعب لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة لقوله تعالى {تكاد لسموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا} قال ابن العربي وصدق فإنه قول عظيم سبق به القضاء والقدر ولولا أن الباري تبارك وتعالى لا يضعه كفر الكافر ولا يرفعه إيمان المؤمن ولا يزيد هذا في ملكه كما لا ينقص ذلك من ملكه لما جرى شيء من هذا على الألسنة ولكنه القدوس الحكيم الحليم فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون قوله تعالى{وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا} فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى{وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا} نفى عن نفسه سبحانه وتعالى الولد لأن الولد يقتضي الجنسية والحدوث على ما بيناه في {البقرة} أي لا يليق به ذلك ولا يوصف به ولا يجوز في حقه لأنه لا يكون ولد إلا من والد يكون له والد وأصل والله سبحانه يتعالى عن ذلك ويتقدس قال في رأس خلقاء من عنقاء مشرفة ** ما ينبغي دونها سهل ولا جبل {إن كل من في السماوات والأرض} {إن} نافية بمعنى ما أي ما كل من في السموات والأرض إلا وهو يأتي يوم القيامة مقرا له بالعبودية خاضعا ذليلا كما قال {و كل أتوه داخرين}[النمل : 87] أي صاغرين أذلاء أي الخلق كلهم عبيده فكيف يكون واحد منهم ولدا له عز وجل تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا و{آتي} بالياء في الخط والأصل التنوين فحذف استخفافا وأضيف.
الثانية: في هذه الآية دليل على أنه لا يجوز أن يكون الولد مملوكا للوالد خلافا لمن قال إنه يشتريه فيملكه ولا يعتق عليه إلا إذا أعتقه وقد أبان الله تعالى المنافاة بين الأولاد والملك فإذا ملك الوالد ولده بنوع من التصرفات عتق عليه ووجه الدليل عليه من هذه الآية أن الله تعالى جعل الولدية والعبدية في طرفي تقابل فنفى أحدهما وأثبت الآخر ولو اجتمعا لما كان لهذا القول فائدة يقع الاحتجاج بها وفي الحديث الصحيح (لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) أخرجه مسلم فإذا لم يملك الأب ابنه مع مرتبته عليه فالابن بعدم ملك الأب أولى لقصوره عنه.
الثالثة: ذهب إسحاق بن راهويه في تأويل قول عليه الصلاة والسلام (من أعتق شركا له في عبد) أن المراد به ذكور العبيد دون إناثهم فلا يكمل على من أعتق شركا في أنثى وهو على خلاف ما ذهب إليه الجمهور من السلف ومن بعدهم فإنهم لم يفرقوا بين الذكر والأنثى لأن لفظ العبد يراد به الجنس كما قال تعالى {إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا} فإنه قد يتناول الذكر والأنثى من العبد قطعا، وتمسك إسحاق بأنه حكى عبدة في المؤنث الرابعة: روى البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول الله تبارك وتعالى كذبني بن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقول ليس يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقول اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن لي كفوا أحد) وقد تقدم في {البقرة} وغيرها وإعادته في مثل هذا الموضع حسن جدا.
قوله تعالى{لقد أحصاهم} أي علم عددهم {وعدهم عدا} تأكيد أي فلا يخفى عليه أحد منهم.
قلت ووقع لنا في أسمائه سبحانه المحصي أعني في السنة من حديث أبي هريرة خرجه الترمذي.
واشتقاق هذا الفعل يدل عليه وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني ومنها المحصي ويختص بأنه لا تشغله الكثرة عن العلم مثل ضوء النور واشتداد الريح وتساقط الأوراق فيعلم عند ذلك أجزاء الحركات في رقة وكيف لا يعلم وهو الذي يخلق وقد قال {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} ووقع في تفسير ابن عباس أن معنى {لقد أحصاهم وعدهم عدا} يريد أقروا له بالعبودية وشهدوا له بالربوبية.
قوله تعالى{وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} أي واحدا لا ناصر له ولا مال معه ينفعه كما قال تعالى {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} فلا ينفعه إلا ما قدم من عمل وقال {وكلهم آتيه} على لفظ وعلى المعنى آتوه وقال القشيري وفيه إشارة إلى أنكم لا ترضون لأنفسكم باستعباد أولادكم والكل عبيده فكيف رضيتم له مالا ترضون لأنفسكم وقد رد عليهم في مثل هذا في أنهم لا يرضون لأنفسهم بالبنات ويقولون الملائكة بنات الله تعالى الله عن ذلك وقولهم الأصنام الله وقال {فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم}[الأنعام : 136].

تفسير ابن كثير لما قرر تعالى في هذه السورة الشريفة عبودية عيسى عليه السلام، وذكر خلقه من مريم بلا أب، شرع في مقام الإنكار على من زعم أن له ولداً، تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً فقال: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم} أي في قولكم، هذا {شيئا إدًَّا}، قال ابن عباس: أي عظيماً، وقوله: {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا} أي يكاد يكون ذلك عند سماعهن هذه المقالة من فجَرَة بني آدم إعظاماً للرب وإجلالاً، لأنهن مخلوقات ومؤسسات على توحيده وأنه لا إله إلا هو، قال ابن جرير، عن ابن عباس في قوله: {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا . أن دعوا للرحمن ولدا} قال: إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة اللّه، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر اللّه ذنوب الموحدين، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا اللّه، فمن قالها عند موته وجبت له الجنة)، فقالوا: يا رسول اللّه فمن قالها في صحته؟ قال: (تلك أوجب وأوجب)، ثم قال: (والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا اللّه في الكفة الأخرى لرجحت بهن) ""هكذا رواه ابن جرير ويشهد له حديث البطاقة واللّه أعلم""، وقال الضحاك {تكاد السماوات يتفطرن منه} أي يتشققن فرقاً من عظمة اللّه. وقال عبد الرحمن بن زيد {وتنشق الأرض} أي غضباً له عزَّ وجلَّ، {وتخر الجبال هدا}، قال ابن عباس: هدماً، وقال سعيد بن جبير: هداً ينكسر بعضها على بعض متتابعات. عن عون بن عبد اللّه: قال إن الجبل لينادي الجبل باسمه: يا فلان هل مر بك اليوم ذكر اللّه عزَّ وجلَّ؟ فيقول: نعم ويستبشر، قال عون: لهي للخير أسمع، أفيسمعن الزور والباطل، إذا قيل ولا يسمعن غيره؟ ثم قرأ {تكاد السماوات يتفطرن منه} ""أخرجه ابن أبي حاتم""الآية وعن أبي موسى رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لا أحد أصبر على أذى سمعه من اللّه أن يشرك به ويُجعل له ولد، وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم) أخرجاه في الصحيحين. وفي لفظ: (إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم). وقوله: {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا} أي لا يصلح له ولا يليق به لجلاله وعظمته، لأنه لا كفء له من خلقه، لأن جميع الخلائق عبيد له، ولهذا قال: {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا . لقد أحصاهم وعدهم عدا} أي قد علم عددهم، منذ خلقهم إلى يوم القيامة، ذكرهم وأنثاهم وصغيرهم وكبيرهم، {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} أي لا ناصر ولا مجير إلا اللّه وحده لا شريك له، فيحكم في خلقه بما يشاء، هو العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة ولا يظلم أحداً.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি