نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة النور آية 27
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

التفسير الميسر يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأذنوا أهلها في الدخول وتسلموا عليهم وصيغة ذلك من السنة: السلام عليكم أأدخل؟ ذلكم الاستئذان خير لكم؛ لعلكم تتذكرون- بفعلكم له- أوامر الله، فتطيعوه.

تفسير الجلالين
27 - (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا) تستأذنوا (وتسلموا على أهلها) فيقول الواحد السلام عليكم أأدخل كما ورد في الحديث (ذلكم خير لكم) من الدخول بغير استئذان (لعلكم تذكرون) بإدغام التاء الثانية في الذال خيريته فتعملوا به

تفسير القرطبي
فيه سبعة عشرة مسألة: الأولى:قوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا} لما خصص الله سبحانه ابن آدم الذي كرمه وفضله بالمنازل وسترهم فيها عن الأبصار، وملكهم الاستمتاع بها على الانفراد، وحجر على الخلق أن يطلعوا على ما فيها من خارج أو يلجوها من غير إذن أربابها، أدبهم بما يرجع إلى الستر عليهم لئلا يطلع أحد منهم على عورة.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم حل لهم أن يفقؤوا عينه).
وقد اختلف في تأويله فقال بعض العلماء : ليس هذا على ظاهره، فإن فقأ فعليه الضمان، والخبر منسوخ، وكان قبل نزول قوله {وإن عاقبتم فعاقبوا}[النحل: 126] ويحتمل أن يكون خرج على وجه الوعيد لا على وجه الحتم، والخبر إذا كان مخالفا لكتاب الله تعالى لا يجوز العمل به.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بالكلام في الظاهر وهو يريد شيئا آخر؛ كما جاء في الخبر أن عباس بن مرداس لما مدحه قال لبلال : (قم فاقطع لسانه) وإنما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئا، ولم يرد به القطع في الحقيقة.
وكذلك هذا يحتمل أن يكون ذكر فقء العين والمراد أن يعمل به عمل حتى لا ينظر بعد ذلك في بيت غيره.
وقال بعضهم : لا ضمان عليه ولا قصاص؛ وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لحديث أنس على ما يأتي.
الثانية: سبب نزول هذه الآية ما رواه الطبري وغيره عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد فيأتي الأب فيدخل عليّ وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع ؟ فنزلت الآية.
فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن؛ فأنزل الله {ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة}[النور: 29].
الثالثة: مد الله سبحانه وتعالى التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك إلى غاية هي الاستئناس، وهو الاستئذان.
قال ابن وهب قال مالك : الاستئناس فيما نرى والله أعلم الاستئذان؛ وكذا في قراءة أبيّ وابن عباس وسعيد بن جبير {حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها}.
وقيل : إن معنى {تستأنسوا}تستعلموا؛ أي تستعلموا من في البيت.
قال مجاهد : بالتنحنح أو بأي وجه أمكن، ويتأنى قدر ما يعلم أنه قد شعر به، ويدخل إثر ذلك.
وقال معناه الطبري؛ ومنه قوله {فإن آنستم منهم رشدا}[النساء: 6] أي علمتم.
وقال الشاعر : آنست نبأة وأفزعها القناص ** عصرا وقد دنا الإمساء قلت : وفي سنن ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدالرحيم بن سليمان عن واصل بن السائب عن أبي سورة عن أبي أيوب الأنصاري قال قلنا : يا رسول الله، هذا السلام، فما الاستئذان؟ قال : (يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح ويؤذن أهل البيت).
قلت : وهذا نص في أن الاستئناس غير الاستئذان؛ كما قال مجاهد ومن وافقه.
الرابعة: وروي عن ابن عباس وبعض الناس يقول عن سعيد بن جبير {حتى تستأنسوا}خطأ أو وهم من الكاتب، إنما هو {حتى تستأذنوا}.
وهذا غير صحيح عن ابن عباس وغيره؛ فإن مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها {حتى تستأنسوا}، وصح الإجماع فيها من لدن مدة عثمان، فهي التي لا يجوز خلافها.
وإطلاق الخطأ والوهم على الكاتب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح عن ابن عباس؛ وقد قال عز وجل {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}[فصلت:42] ، وقال {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}[الحجر: 9].
وقد روي عن ابن عباس أن في الكلام تقديما وتأخيرا؛ والمعنى : حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا حكاه أبو حاتم.
قال ابن عطية.
ومما ينفي هذا القول عن ابن عباس وغيره أن {تستأنسوا}متمكنة في المعنى، بينة الوجه في كلام العرب.
وقد قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم : أستأنس يا رسول الله؛ وعمر واقف على باب الغرفة، الحديث المشهور.
وذلك يقتضي أنه طلب الأنس به صلى الله عليه وسلم، فكيف يخطّئ ابن عباس أصحاب الرسول في مثل هذا.
قلت : قد ذكرنا من حديث أبي أيوب أن الاستئناس إنما يكون قبل السلام، وتكون الآية على بابها لا تقديم فيها ولا تأخير، وأنه إذا دخل سلم.
والله أعلم.
الخامسة: السنة في الاستئذان ثلاث مرات لا يزاد عليها.
قال ابن وهب قال مالك : الاستئذان ثلاث، لا أحب أن يزيد أحد عليها، إلا من علم أنه لم يسمع، فلا أرى بأسا أن يزيد إذا استيقن أنه لم يسمع.
وصورة الاستئذان أن يقول الرجل : السلام عليكم أأدخل؛ فإن أذن له دخل، وإن أمر بالرجوع انصرف، وإن سكت عنه استأذن ثلاثا؛ ثم ينصرف من بعد الثلاث.
وإنما قلنا : إن السنة الاستئذان ثلاث مرات لا يزاد عليها لحديث أبي موسى الأشعري، الذي استعمله مع عمر بن الخطاب وشهد به لأبي موسى أبو سعيد الخدري، ثم أبيّ بن كعب.
وهو حديث مشهور أخرجه الصحيح، وهو نص صريح؛ فإن فيه : فقال - يعني عمر - ما منعك أن تأتينا؟ فقلت : أتيت فسلمت على بابك ثلاث مرات فلم ترد علي فرجعت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع).
وأما ما ذكرناه من صورة الاستئذان فما رواه أبو داود عن ربعي قال : حدثنا رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال : ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه : (أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان - فقال له - قل السلام عليكم أأدخل) فسمعه الرجل فقال : السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل.
وذكره الطبري وقال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة : (قولي لهذا يقول السلام عليكم أدخل؟.
.
.
) الحديث.
وروي أن ابن عمر آذته الرمضاء يوما فأتى فسطاطا لامرأة من قريش فقال : السلام عليكم أأدخل؟ فقالت المرأة : ادخل بسلام؛ فأعاد فأعادت، فقال لها : قولي أدخل.
فقالت ذلك فدخل؛ فتوقف لما قالت : بسلام؛ لاحتمال اللفظ أن تريد بسلامك لا بشخصك.
السادسة: قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إنما خص الاستئذان بثلاث لأن الغالب من الكلام إذا كرر ثلاثا سمع وفهم؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى يفهم عنه، وإذا سلم على قوم سلم عليهم ثلاثا.
وإذا كان الغالب هذا؛ فإذا لم يؤذن له بعد ثلاث ظهر أن رب المنزل لا يريد الإذن، أو لعله يمنعه من الجواب عنه عذر لا يمكنه قطعه؛ فينبغي للمستأذن أن ينصرف؛ لأن الزيادة على ذلك قد تقلق رب المنزل، وربما يضره الإلحاح حتى ينقطع عما كان مشغولا به؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب حين استأذن عليه فخرج مستعجلا فقال : (لعلنا أعجلناك.
.
.
) الحديث.
و روى عقيل عن ابن شهاب قال : أما سنة التسليمات الثلاث فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سعد بن عبادة فقال : (السلام عليكم) فلم يردوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (السلام عليكم) فلم يردوا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما فقد سعد تسليمه عرف أنه قد انصرف؛ فخرج سعد في أثره حتى أدركه، فقال : وعليك السلام يا رسول الله، إنما أردنا أن نستكثر من تسليمك، وقد والله سمعنا؛ فأنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سعد حتى دخل بيته.
قال ابن شهاب : فإنما أخذ التسليم ثلاثا من قبل ذلك؛ رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال : سمعت يحيى بن أبي كثير يقول حدثني محمد بن عبدالرحمن بن أسعد بن زرارة عن قيس بن سعد قال : زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال : (السلام عليكم ورحمة الله) قال فرد سعد ردا خفيا، قال قيس : فقلت ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : ذره يكثر علينا من السلام.
.
.
الحديث، أخرجه أبو داود وليس فيه قال ابن شهاب فإنما أخذ التسليم ثلاثا من قبل ذلك.
قال أبو داود : ورواه عمر بن عبدالواحد وابن سماعة عن الأوزاعي مرسلا لم يذكرا قيس بن سعد.
السابعة: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الاستئذان ترك العمل به الناس.
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وذلك لاتخاذ الناس الأبواب وقرعها؛ والله أعلم.
""روى أبو داود عن عبدالله بن بسر"" قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول : (السلام عليكم السلام عليكم) وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور.
الثامنة: فإن كان الباب مردودا فله أن يقف حيث شاء منه ويستأذن، وإن شاء دق الباب؛ لما رواه أبو موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حائط بالمدينة على قُف البئر فمد رجليه في البئر فدق الباب أبو بكر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إيذن له وبشره بالجنة).
هكذا رواه عبدالرحمن بن أبي الزناد وتابعه صالح بن كيسان ويونس بن يزيد؛ فرووه جميعا عن أبي الزناد عن أبي سلمة عن عبدالرحمن بن نافع عن أبي موسى.
وخالفهم محمد بن عمرو الليثي فرواه عن أبي الزناد عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك؛ وإسناده الأول أصح، والله اعلم.
التاسعة: وصفة الدق أن يكون خفيفا بحيث يسمع، ولا يعنف في ذلك؛ فقد ""روى أنس بن مالك رضي الله عنه"" قال : كانت أبواب النبي صلى الله عليه وسلم تقرع بالأظافير؛ ذكره أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب في جامعه.
العاشرة: ""روى الصحيحان وغيرهما عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما"" قال : استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (من هذا)؟ فقلت أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أنا أنا)! كأنه كره ذلك.
قال علماؤنا : إنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأن قوله أنا لا يحصل بها تعريف، وإنما الحكم في ذلك أن يذكر اسمه كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو موسى؛ لأن في ذكر الاسم إسقاط كلفة السؤال والجواب.
ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له فقال : السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم أيدخل عمر؟ وفي صحيح مسلم أن أبا موسى جاء إلى عمر بن الخطاب فقال : السلام عليكم، هذا أبو موسى، السلام عليكم، هذا الأشعري.
.
.
الحديث.
الحادية عشرة: ذكر الخطيب في جامعه عن علي بن عاصم الواسطي قال : قدمت البصرة فأتيت منزل شعبة فدققت عليه الباب فقال : من هذا؟ قلت أنا؛ فقال : يا هذا ما لي صديق يقال له أنا ثم خرج إليّ فقال : حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لي فطرقت عليه الباب فقال : (من هذا)؟ فقلت أنا؛ فقال : (أنا أنا) كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره قولي هذا، أو قوله هذا.
وذكر عن عمر بن شبة حدثنا محمد بن سلام عن أبيه قال : دققت على عمرو بن عبيد الباب فقال لي : من هذا؟ فقلت أنا؛ فقال : لا يعلم الغيب إلا الله.
قال الخطيب : سمعت علي بن المحسن القاضي يحكي عن بعض الشيوخ أنه كان إذا دق بابه فقال من ذا؟ فقال الذي على الباب أنا، يقول الشيخ : أنا هم دق.
الثانية عشرة: ثم لكل قوم في الاستئذان عرفهم في العبارة؛ كما رواه أبو بكر الخطيب مسندا عن أبي عبدالملك مولى أم مسكين بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قال : أرسلتني مولاتي إلى أبي هريرة فجاء معي، فلما قام بالباب قال : أندر؟ قالت أندرون.
وترجم عليه باب الاستئذان بالفارسية.
وذكر عن أحمد بن صالح قال : كان الدراوردي من أهل أصبهان نزل المدينة، فكان يقول للرجل إذا أراد أن يدخل : أندرون، فلقبه أهل المدينة الدراوردي.
الثالثة عشرة: ""روى أبو داود عن كلدة بن حنبل"" أن صفوان بن أمية بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن وجداية وضغابيس والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة، فدخلت ولم أسلم فقال : (ارجع فقل السلام عليكم) وذلك بعدما أسلم صفوان بن أمية.
وروى أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من لم يبدأ بالسلام فلا تأذنوا له).
وذكر ابن جريج أخبرني عطاء قال : سمعت أبا هريرة يقول : إذا قال الرجل أدخل؟ ولم يسلم فقل لا حتى تأتي بالمفتاح؛ فقلت السلام عليكم؟ قال نعم.
وروي أن حذيفة جاءه رجل فنظر إلى ما في البيت فقال : السلام عليكم أأدخل؟ فقال حذيفة : أما بعينك فقد دخلت وأما باستك فلم تدخل.
الرابعة عشرة: ومما يدخل في هذا الباب ما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (رسول الرجل إلى الرجل إذنه)؛ أي إذا أرسل إليه فقد أذن له في الدخول، يبينه قوله عليه السلام : (إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن).
أخرجه أبو داود أيضا عن أبي هريرة.
الخامسة عشرة: فإن وقعت العين على العين فالسلام قد تعين، ولا تعد رؤيته إذنا لك في دخولك عليه، فإذا قضيت حق السلام لأنك الوارد عليه تقول : أدخل؟ فإن أذن لك وإلا رجعت.
السادسة عشرة: هذه الأحكام كلها إنما هي في بيت ليس لك، فأما بيتك الذي تسكنه فإن كان فيه أهلك فلا إذن عليها، إلا أنك تسلم إذا دخلت.
قال قتادة : إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك، فهم أحق من سلمت عليهم.
فإن كان فيه معك أمك أو أختك فقالوا : تنحنح واضرب برجلك حتى ينتبها لدخولك؛ لأن الأهل لا حشمة بينك وبينها.
وأما الأم والأخت فقد يكونا على حالة لا تحب أن تراهما فيها.
قال ابن القاسم قال مالك : ويستأذن الرجل على أمه وأخته إذا أراد أن يدخل عليهما.
وقد روى عطاء بن يسار أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أستأذن على أمي؟ قال (نعم) قال : إني أخدمها؟ قال : (استأذن عليها) فعاوده ثلاثا؛ قال (أتحب أن تراها عريانة)؟ قال لا؛ قال : (فاستأذن عليها) ذكره الطبري.
السابعة عشرة: فإن دخل بيت نفسه وليس فيه أحد؛ فقال علماؤنا : يقول السلام علينا من ربنا التحيات الطيبات المباركات، لله السلام.
رواه ابن وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسنده ضعيف.
وقال قتادة : إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنه يؤمر بذلك.
قال : وذكر لنا أن الملائكة ترد عليهم.
قال ابن العربي : والصحيح ترك السلام والاستئذان، والله أعلم.
قلت : قول قتادة حسن.

تفسير ابن كثير هذه آداب شرعية أدب اللّه بها عباده المؤمنين، أمرهم أن لا يدخلوا بيوتاً غير بيوتهم حتى يستأنسوا أي يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده، وينبغي ان يستأذن ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا انصرف كما ثبت في الصحيح أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثاً، فلم يؤذن له انصرف، ثم قال عمر: ألم تسمع صوت عبد اللّه بن قيس يستأذن؟ ائذنوا له، فطلبوه فوجدوه قد ذهب، فلما جاء بعد ذلك قال: ما أرجعك؟ قال: إني استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي، وإني سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فلينصرف)، فقال عمر: لتأتيني على هذا ببينة وإلا أوجعتك ضرباً، فذهب إلى ملأ من الأنصار فذكر لهم ما قال عمر، فقالوا: لا يشهد لك إلا أصغرنا، فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك، فقال: ألهاني عنه الصفق بالأسواق. وعن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال: (السلام عليك ورحمة اللّه( فقال سعد: وعليك السلام ورحمة اللّه، ولم يسمع النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى سلم ثلاثاً، ورد عليه سعد ثلاثاً، ولم يسمعه، فرجع النبي صلى اللّه عليه وسلم، فاتبعه سعد فقال: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمة إلا وهي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، وأردت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، ثم أدخله البيت فقرب إليه زبيباً، فأكل نبي اللّه فلما فرغ قال: (أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون) ""أخرجه أحمد واللفظ له ورواه أبو داود والنسائي بنحوه"". ثم ليعلم أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل أن لا يقف تلقاء الباب بوجهه، ولكن ليكن الباب عن يمينه أو يساره، لما رواه أبو داود عن عبد اللّه بن بشر قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: (السلام عليكم، السلام عليكم)، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور. وجاء رجل فوقف على باب النبي صلى اللّه عليه وسلم يستأذن، فقام على الباب - يعني: مستقبل الباب - فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : (هكذا عنك - أو هكذا - فإنما الاستئذان من النظر) ""أخرجه أبو داود وقد جاء في بعض الروايات أن الرجل سعد رضي اللّه عنه"". وفي الصحيحين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح)، وعن جابر قال: أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم في دين كان على أبي، فدققت الباب، فقال: (من ذا؟) فقلت: أنا، قال: (أنا أنا)، كأنه كرهه ""أخرجه الجماعة من حديث شعبة عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه""، وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها، وإلا فكل أحد يعبر عن نفسه بأنا، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان المأمور به في الآية، قال ابن عباس: الاستئناس الاستئذان، وكذا قال غير واحد. وعن عمرو بن سعيد الثقفي أن رجلاً استأذن على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: أألج أو أنلج؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة: (قومي إلى هذا فعلميه، فإنه لا يحسن يستأذن، فقولي له يقول السلام عليكم أأدخل؟)، فسمعها الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقال: (ادخل) ""أخرجه أبو داود"". وقال مجاهد: جاء ابن عمر من حاجة وقد آذاه الرمضاء، فأتى فسطاط امرأة من قريش، فقال: السلام عليكم أأدخل، قالت: ادخل بسلام، فأعاد، فأعادت وهو يراوح بين قدميه قال: قولي ادخل، قالت ادخل، فدخل. وروى هيثم عن ابن مسعود قال: عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم، وقال أشعث عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول اللّه إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، قال: فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا} الآية ""أخرجه ابن أبي حاتم"". وقال ابن جريج: سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال: ثلاث آيات جحد من الناس، قال اللّه تعالى: {إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم} قال: ويقولون: إن أكرمهم عند اللّه أعظمهم بيتاً، قال: والأدب كله قد جحده الناس، قال، قلت: أستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد؟ قال: نعم، فرددت عليه ليرخص لي فأبى، فقال: تحب أن تراها عريانة؟ قلت: لا، قال: فاستأذن، قال: فراجعته أيضاً فقال: أتحب أن تطيع اللّه؟ قال، قلت: نعم، قال: فاستأذن، وقال طاووس: ما من امرأة أكره إليَّ أن أرى عورتها من ذات محرم قال: وكان يشدد في ذلك. وقال ابن مسعود: عليكم الإذن على أمهاتكم، وقال ابن جريج: قلت لعطاء أيستأذن الرجل على امرأته؟ قال: لا، وهذا محمول على عدم الوجوب، وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به، لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها. وروى ابن جرير عن زينب امرأة عبد اللّه بن مسعود قالت: كان عبد اللّه إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق، كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه ""أخرجه ابن جرير وقال ابن كثير: إسناده صحيح"". وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: كان عبد اللّه إذا دخل الدار استأنس تكلم ورفع صوته، وقال مجاهد: {حتى تستأنسوا} قال: تنحنحوا أو تنخّموا، وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللّه: إذا دخل الرجل بيته استحب له أن يتنحنح أو يحرك نعليه؛ ولهذا جاء في الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه نهى أن يطرق الرجل على أهله طروقاً - وفي رواية - لئلا يتخوفهم، وفي الحديث الآخر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قدم المدينة نهاراً فأناخ بظاهرها وقال: (انتظروا حتى ندخل عشاء - يعني آخر النهار - حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة). وقال قتادة في قوله: {حتى تستأنسوا}: هو الاستئذان ثلاثاً، فمن لم يؤذن له منهم فليرجع، أما الأولى فليسمع الحي، وأما الثانية فليأخذوا حذرهم، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردّوا؛ ولا تقفنَّ على باب قوم ردوك عن بابهم، فإن للناس حاجات ولهم أشغال واللّه أولى بالعذر. وقال مقاتل ابن حيان في الآية: كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه لا يسلم عليه، ويقول: حييت صباحاً وحييت مساء، و كان ذلك تحية القوم بينهم، وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ويقول: قد دخلت ونحو ذلك، فيشق ذلك على الرجل، ولعله يكون مع أهله، فغيّر اللّه ذلك كله في ستر وعفة، وجعله نقياً نزهاً من الدنس والقذر والدرن. فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} الآية، وهذا الذي قاله مقاتل حسن، ولهذا قال تعالى: {ذلكم خير لكم} يعني الاستئذان، خير لكم بمعنى هو خير من الطرفين للمستأذن ولأهل البيت {لعلكم تذكرون}، وقوله تعالى: {فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم}، وذلك لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه، فإن شاء أذن وإن شاء لم يأذن، {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} أي إذا ردوكم من الباب قبل الإذن أو بعده {فارجعوا هو أزكى لكم} أي رجوعكم أزكى لكم وأطهر {واللّه بما تعملون عليم}. وقال قتادة: قال بعض المهاجرين: لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها أن استأذن على بعض إخواني، فيقول لي: ارجع فأرجع وأنا مغتبط، لقوله تعالى: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم واللّه بما تعملون عليم} وقال سعيد بن جبير في الآية: أي لا تقفوا على أبواب الناس، وقوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة} الآية، هذه الآية الكريمة أخص من التي قبلها وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى البيوت التي ليس فيها أحد إذا كان له متاع فيها بغير إذن كالبيت المعد للضيف إذا أذن له فيه أول مرة كفى، قال ابن عباس {لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم}، ثم نسخ واستثنى، فقال تعالى: {ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم} في اللباب: أخرج ابن أبي حاتم: لما نزلت آية الاستئذان قال أبو بكر: يا رسول اللّه، فكيف بتجار قريش الذين يختلفون بين مكة والمدينة والشام، ولهم بيوت معلومة على الطريق، وليس فيها سلطان، فنزلت: {ليس عليكم . . } الآية وقال آخرون: هي بيوت التجار كالخانات ومنزل الأسفار وبيوت مكة وغير ذلك.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি