المستعصم بالله أبو أحمد

المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله آخر الخلفاء العراقيين ولد سنة تسع وستمائة وأمة أم ولد اسمها هاجر وبويع له بالخلافة عند موت أبيه وأجاز له على يد ابن النجار المؤيد الطوسي وابو روح الهروي وجماعة وروي عنه بالإجازة جماعة منهم النجم البادرائي والشرف الدمياطي وخرج له الدمياطي أربعين حديثا رأيتها بخطة وكان كريما حليما سليم الباطن حسن الديانة قال الشيخ قطب الدين كان متدينا متمسكا بالسنة كأبيه وجده ولكنه لم يكن مثلهما في التيقظ والحزم وعلو الهمة وكان للمستنصر أخ يعرف بالخفاجي يزيد عليه في الشجاعة والشهامة وكان يقول إن ملكني الله الأمر لأعبرن بالجيوش نهر جيحون وأنتزع البلاد من التتار وأستأصلهم فلما توفي المستنصر لم ير الدويدار والشرابي والكبار تقليد الخفاجي الأمر وخافوا منه وآثروا المستعصم للينه والقيادة ليكون لهم الأمر فأقاموه ثم ركن المستعصم إلى زيره مؤيد الدين العلقمي الرافضي فأهلك الحرث والنسل ولعب بالخليفة كيف اراد وباطن التتار وناصحهم وأطعمهم في المجئ إلى العراق وأخذ بغداد وقطع الدولة العباسية ليقيم خليفة من آل علي وصار إذا جاء خبر منهم كتمه عن الخليفة ويطالع بأخبار الخليفة التتار إلى أن حصل ما حصل وفي سنة سبع وأربعين من أيامه أخذت الفرنج دمياط والسلطان الملك الصالح مريض فمات ليلة نصف شعبان فأخفت جاريته أم خليل المسماة شجرة الدر موته وأرسلت إلى ولده توران شاه الملك المعظم فحضر ثم لم يلبث أن قتل في المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة وثبت عليه غلمان أبيه فقتلوه وأمروا عليهم جارية أبيهم شجرة الدر وحلف لها الأتراك ولنائبها عز الدين ايبك التركماني فشرعت شجرة الدر في الخلع للأمراء والأعطيات ثم استقل عز الدين بالسلطنة في ربيع الآخر ولقب الملك المعز ثم تنصل منها وحلف العسكر للملك الأشرف بن صلاح الدين يوسف بن المسعود ابن الكامل وله ثمان سنين وبقي عز الدين أتابكه وخطب لهما وضربت السكة باسمهما وفي هذه السنة أعنى سنة ثمان استردت دمياط من الفرنج وفي سنة اثنتين وخمسين وستمائة ظهرت نار في أرض عدن وكان يطير شررها في الليل إلى البحر ويصعد منها دخان عظيم في النهار وفيها أبطل المعز أسم الملك الأشرف واستقل بالسلطنة وفي سنة أربع وخمسين ظهرت النار بالمدينة النبوية قال أبو شامة جاءنا كتب من المدينة فيها لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة ظهر بالمدينة دوى عظيم ثم زلزلة عظيمة فكانت ساعة بعد ساعة إلى خامس الشهر فظهرت نار عظيمة في الحرة قريبا من قريظة نبصرها من دورنا من داخل المدينة كأنها عندنا وسألت أودية منها إلى وادى شطا سيل الماء وطلعنا نبصرها فإذا الجبال تسيل نارا وسارت هكذا وهكذا بين نارين كأنها الجبال وطار منها شرر كالقصر إلى أن أبصر ضوؤها من مكة ومن الفلاة جميعهما واجتمع الناس كلهم إلى قبر الشريف مستغفرين تائبين واستمرت هكذا أكثر من شهر قال الذهبي أمر هذه النار متواتر وهى مما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضىء لها اعناق الإبل ببصرى وقد حكى غير واحد ممن كان ببصرى في الليل ورأى أعناق الإبل في ضوئها وفي سنة خمس وخمسين وستمائة مات المعز أيبك سلطان مصر قتلته زوجته شجرة الدر وسلطنوا بعده ولده الملك المنصور على هذا والتتار جائلون في البلاد وشرهم متزايد ونارهم تستعرة والخليفة والناس في غفلة عما يراد بهم والوزير العلقمى حريص على إزالة الدولة العباسية ونقلها إلى العلوية والرسل في السر بينه وبين التتار والمستعصم تائه في لذاته لا يطلع على الأمور ولا له غرض في المصلحة وكان أبوه المستنصر قد استكثر من الجند جدا وكان مع ذلك يصانع التتار ويهادنهم ويرضيهم فلما استخلف المستعصم كان خليا من الرأى والتدبير فأشار عليه الوزير بقطع أكثر الجند وأن مصانعة التتار وإكرامهم يحصل به المقصود ففعل ذلك ثم إن الوزير كاتب التتار واطعمهم في البلاد وسهل عليهم ذلك وطلب أن يكون نائبهم فوعدوه بذلك وتأهبوا لقصد بغداد