الموقف العراقى من الازمتين البحرينية والسورية

Submitted by a.eldariby on أربعاء, 08/24/2011 - 01:30

الموقف العراقي من الأزمتين البحرينية والسورية

عطا السيد الشعراوى

خبير فى الشئون العربية

 من المعروف أن السياسة الخارجية لأي دولة هي تعبير وانعكاس لمصلحتها الوطنية، فهي من أدوات تحقيق هذه المصلحة من خلال حسن إدارة العلاقات مع دول العالم بقصد تعظيم المكاسب وتجنب الخسائر لأي دولة.

ومن الغريب أن نجد نماذج وأمثلة لدول تتبع سياسة خارجية لتحقيق مصالح دول أخرى أي أن هذه الدولة تحولت إلى مجرد أداة من أدوات السياسة الخارجية لدول أخرى، ومن الأمثلة البارزة لتلك الدول العراق، هذه الدولة التي كانت احد عوامل ضبط ميزان القوى في الشرق الأوسط حيث كانت قوة موازنة ومعادلة لدولة إيران وتمثل رادع لكثير من القوى الطامعة والراغبة في السيطرة على دول الخليج وهو ما جعلها هدفًا استراتيجيًا لقوى إقليمية ودولية من أجل إضعافها وجعلها عبئًا وتهديدًا للدول العربية، وهو ما تحقق بالفعل حين تلاقت واشنطن وطهران على تقاسم النفوذ والسيطرة على العراق وإشغاله بالعنف والحرب الأهلية وعزل الدول العربية عنه.

ويجسد الموقف العراقي من الأزمتين البحرينية والسورية كيف تحول هذا البلد العربي إلى أداة في يد طهران يعمل بكل همة ونشاط في سبيل إرضائها وتحقيق مصالحها دون النظر إلى مصالح الشعب العراقي المبتلى في حكومته ومسؤوليه.

فما أن دخلت قوات درع الجزيرة المنامة في مارس 2011 م بناء على طلب من مملكة البحرين لاستعادة الأمن والاستقرار ووضع حد لمخطط تخريبي شامل وضع البلاد على حافة الحرب الأهلية، حتى انتفض رئيس الوزراء نوري المالكي معبرًا عن قلقه من أنّ تدخل “قوات أجنبية” -حسب وصفه – سيزيد الأمور سوءًا.

كما أيد بعض أعضاء مجلس النواب العراقي المخربين والخارجين على القانون أو ما وصفوهم هم بالمتظاهرين، ومن بين هؤلاء الأعضاء من طالب بإغلاق سفارتي البحرين ودولة الإمارات العربية في بغداد ومقاطعة البضائع السعودية والخليجية، ومنهم من اقترح صرف خمسة مليون دولار للثوار البحرينيين- على حد وصفهم-.

واستنكر بيان لزعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” ما وصفه بالتدخل الخارجي في شؤون الشعب البحريني، مضيفا أن “الشعب هو صاحب القرار وعلى الحكومات التنحي إذا أراد الشعب ذلك”.

ولاشك أن هذا الموقف العراقي جاء منسجمًا مع الموقف الإيراني ومناقضًا لجميع المواقف العربية بل والدولية التي رأت فيما حدث في البحرين أحداث عنف ومخطط تخريبي له أبعاد داخلية وخارجية كان يهدف إلى إسقاط نظام الحكم في مملكة البحرين من جانب قلة أرادت تسليم البلاد إلى إيران في إطار خطة أكبر لتحقيق السيطرة الإيرانية على دول الخليج.

وفي سوريا، تأكدت التبعية العراقية لإيران حيث تماهت مواقف الدولتين تجاه الأزمة السورية، فإذا كان الدعم الإيراني للرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة الاحتجاجات السلمية غير خاف على الجميع واتخذ أشكالاً متنوعة مالية واقتصادية وعسكرية ودبلوماسية، فإنه لم تمر سوى أسابيع قليلة على انطلاق موجة الاحتجاجات في سوريا وتحديدًا في 31 مايو 2011 م حتى أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي دعمه للإصلاحات التي أعلن عنها بشار الأسد، معتبراً أنها ستساعد على إحلال الأمن والاستقرار في سوريا، لأن استقرار المنطقة ككل مرتبط باستقرار سوريا وأمنها.

وبعد فترة من الصمت وجه الرئيس العراقي جلال طالباني رسالة إلى الأسد، أعرب فيها عن “دعم العراق لأمن واستقرار سوريا ولمسيرة الإصلاحات فيها”.

وعاد المالكي مرة أخرى خلال الشهر الجاري وفي وقت أدان فيه القادة في العالم العربي والبلدان الأخرى القمع العنيف الذي يمارسه الرئيس بشار الأسد ضد المتظاهرين، إلا أن المالكي فضل طريقًا أخر وهو حث المحتجين على أن لا يخربوا الدولة، ووصف الاحتجاجات بالفوضى والتخريب، وتحدثت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن موافقة نوري المالكي وبضغط من إيران على تقديم مبلغ 10 مليارات دولار لدعم الرئيس السوري بشار الأسد.

لقد استطاع العامل المشترك بين بغداد ودمشق وهي طهران أن تمحو آثار الخلافات والأزمة العراقية السورية التي أدت إلى قطيعة بين الدولتين منذ عام 2009 على خلفية اتهامات عراقية لسوريا بالضلوع في موجة من التفجيرات التي هزت بغداد صيف 2009، وفي تسهيل تدفق جهاديين إلى أراضيه.

من الواضح أن الطائفية باتت هي الموجه والمتحكم في السياسة الخارجية العراقية التي سخرت كل إمكاناتها لتحقيق الأجندة والأهداف الإيرانية في المنطقة انطلاقًا من تلك الطائفية والمذهبية المشتركة بين طهران والحكومة العراقية، والتي حولت العراق إلى ولاية إيرانية. فهل تتحرك الدول العربية لانتشال العراق من أزمته وإيقاظه من غفلته وإعادته إلى أمته؟