تقصى الحقائق فى الازمتين البحرينية والسورية ....رؤية مقارنة

Submitted by dody on أحد, 12/11/2011 - 22:19

تقصي الحقائق في الأزمتين البحرينية والسورية.. رؤية مقارنة

عطا السيد الشعراوى

باحث فى الشئون العربية

العدالة والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه  مثل عليا ومباديء سامية تتوق إليها جميع المجتمعات مهما اختلفت في طبيعتها وتنوعت في مكوناتها ، كما أن وجودها في اي مجتمع يرسخ الولاء والانتماء ويزيد من العمل والانتاج .

ورغم هذه الأهمية الكبيرة ، نلحظ تباينًا كبيرًا واختلافًا واسعًا في مواقف الدول والقيادات تجاه تحقيق هذه المباديء، فهناك من تتوافر لديه الدوافع الذاتية لترسيخها، وآخر يتردد وثالث غير مبال على الإطلاق ورابع وصل في غيه وظلمه إلى طمس هذه المباديء ودهس هذه المثل تحقيقًا لمصالحه وجريًا وراء رغباته وأهوائه .

وفي إطار ما يحدث في منطقتنا من تغيرات ، وجدنا نموذجين متباينين يمثلان طرفي نقيض وهما النموذج البحريني  والنموذج السوري، ففي الأول مرت البلاد بأزمة قاسية خلفت آثارًا كثيرة ومخاطر جمة وأحدثت انقسامًا وشرخًا مجتمعيًا ملحوظًا ، فبادرت قيادة البلاد إلى تشكيل لجنة دولية مستقلة لتقصي الحقائق وتتشكل من خبراء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والشفافية، كما وفرت الحكومة أجواء مثالية لعمل اللجنة وقدمت كل دعم ممكن لها إيمانًا بأهمية ما تقوم به من عمل وما تؤديه من دور وطني في تجاوز آثار الأزمة وطي صفحتها المظلمة ، وقد اعترف رئيس اللجنة نفسه البروفيسور شريف بسيوني بأهمية هذه المساندة الحكومية في إنجاز عمل اللجنة بالسرعة والدقة المطلوبتين .

أما في سوريا وإزاء تزايد العنف الوحشي والقمع الذي يمارسه نظام بشار الأسد ضد المتظاهرين والمحتجين العزل، فوض مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة تحقيق دولية لتقصي الحقائق في الأحداث السورية ، ولم تكن مثل هذه الخطوة  نتيجة مبادرة من قيادة البلاد كما حصل في النموذج البحريني.

وقد مارست اللجنة عملها في ظروف وأجواء حرب تشن من قبل النظام ضد المحتجين وتعتيم اعلامي شديد على الأحداث ومحاولة فرض رواية رسمية مضللة على العالم الخارجي لما يدور في سوريا ، إضافة إلى عدم التعاون السوري مع اللجنة مما اضطرها إلى الاعتماد على شهادات ضحايا مفترضين خارج البلاد.

ومن حيث نتائج تقصي الحقائق ، فقد كان متوقعًا أن يكون متوازنًا وموضوعيًا في الحالة البحرينية في  ظل ما تمتع به أعضاء اللجنة من خبرات متراكمة في هذا المجال والأجواء الملائمة التي عملت فيها اللجنة والتفاعل الحكومي الإيجابي معها وتمكينها من جميع المقابلات اللازمة والاطلاع على كل الملفات المطلوبة.

في تقريرها الصادر في 23 أكتوبر 2011 م ، حملت لجنة تقصي الحقائق المعارضة البحرينية مسؤولية ما حدث نتيجة رفضها التجاوب مع المبادرات العديدة للحوار الوطني ، ورصدت العديد من الانتهاكات والاعتداءات التي تورطت فيها المعارضة، كما أدانت في ذات الوقت الاستخدام المفرط فيه للقوة من جانب قوات الأمن ورصدت حالات تعذيب معتقلين بالسجون البحرينية.

على الجانب الاخر، جاءت جميع نتائج التقرير الذي قدمته لجنة التحقيق الدولية في 28 نوفمبر 2011 في غير صالح النظام السوري حيث أكد تورطه وأجهزته الأمنية  في جرائم ضد الانسانية وممارسة قمع وحشي ممنهج ضد المحتجين والمتظاهرين المسالمين بما يستدعي  محاسبة النظام في دمشق.

ولهذا لم يكن غريبًا، أن ترفض الحكومة السورية هذا التقرير وتستمر في حملتها واسعة النطاق ضد المدنيين والتي تتخللها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والحريات، بل ووصفت قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأنه سياسي ويحرض على استمرار أعمال الإرهاب ضد النظام.

هذا في الوقت الذي رحبت قيادة مملكة البحرين وحكومتها بما خلصت إليه لجنة تقصي الحقائق من توصيات وملاحظات مؤكدة أنها ستقوم بتنفيذ تلك التوصيات بل وبدأت بالفعل باتخاذ الخطوات الفعلية على أرض الواقع في سبيل إنجاز هذه التوصيات سواء بتشكيل لجنة خاصة لدراسة توصيات وملاحظات تقرير لجنة تقصي الحقائق أو بإجراء بعض التغييرات الجوهرية في عمل أداء الأجهزة الأمنية فكرًا وممارسة والاستعانة بخبراء متخصصين في هذا المجال، ضاربة بذلك نموذجًا يحتذى به في الحرص على تحقيق العدالة والإنصاف في المجتمع وإعطاء كل ذي حقه .

لهذا، تدافعت الإشادات الإقليمية والدولية بالموقف البحريني الرسمي من نتائج تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق وسياسة الإصلاح الذاتي والاعتراف بالأخطاء دون مكابرة والسعي نحو علاجها وعدم تضييع الوقت في البحث عن مبررات لا طائل من وراءها أو انتظار ردود فعل الأطراف الأخرى المعنية .

بينما تزاحمت إدانات الدول والمنظمات العالمية للنظام السوري وممارساته البطشية المستمرة وسياساته القمعية المتواصلة دون أدنى اعتراف بحقوق الإنسان وحرياته .

الخلاصة ، إن مملكة البحرين قدمت نموذجًا للدولة الراغبة في العدالة والحريصة على الإنصاف رغم ما يواجهها من تحديات ، بينما كانت سوريا نموذجًا للدولة الرافضة لكل الفرص المتاحة والدعوات المطالبة لتوفير أبسط مقومات حقوق الإنسان وحرياته.

وإذا كان الأمل مفقودًا في إمكانية حدوث تحول في النموذج السوري “السلبي” في ظل حكم بشار الأسد، فإن اكتمال النموذج البحريني “الإيجابي” يتوقف على تجاوب المعارضة مع المبادرات الحكومية الساعية إلى وضع توصيات لجنة تقصي الحقائق موضع التنفيذ والاندماج في الجهود الرسمية والمجتمعية الرامية إلى تجاوز الأزمة التي مرت بالبلاد بكل أبعادها وآثارها .