باب ذكر البيان عن معرفة رؤوس آي السور وشرح علل الهادين فيما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه من ذلك

باب ذكر البيان عن معرفة رؤوس آي السور وشرح علل الهادين فيما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه من ذلك
حدثنا أبو الفتح شيخنا قال أنا أحمد بن محمد قال أنا أحمد بن عثمان قال أنا الفضل بن شاذان قال أنا أحمد بن يزيد قال أنا هارون عن ابن أبي حماد عن حمزة قال قلت للأعمش ما لكم لم تعدوا ( ) ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ( ) قال إنها في قراءتنا خيفا
قال الحافظ هذا الخبر أصل في معرفة رؤوس آي السور وفي تمييز فواصلها وذلك أن قوله ( / خيفا / ) لما لم يكن متشاكلا لما قبله وما بعده من رؤوس الآي في وقوع حرف المد الزائد قبل الحرف المتحرك الذي هو آخر الكلمة التي هي الفاصلة ولا مشبها لذلك ولا مساويا له في الزنة والبنية لم يكن رأس آية في سورة رؤوس آيها مبنية على ما ذكرنا كما لا يكون مثله رأس قافية في قصيدة مردفة مبنية على ياء وواو قبل حرف الروي الذي هو آخر حرف من البيت لأن رؤوس الآي والفواصل مشبهات لرؤوس القوافي من حيث اجتمعن في الانقطاع والانفصال واشتركن في لحاق التغيير بالزيادة والنقصان وعلى نحو ما قلنا يجري سائر ما يرد من مثل تلك الكلمة في جميع سور القرآن في أنه غير معدود ولا رأس آية لمخالفته ما تقدمه أو أتى بعده من طريق التشاكل والتساوي وجهة الزنة والبنية وكون الكلام جملة مستقلة وكلاما تاما منفصلا
ولأجل ذلك انعقد إجماع العادين على ترك عد قوله في النساء ( ) ولا الملائكة المقربون ( ) وقوله في سبحان ( ) إلا أن كذب بها الأولون ( ) وقوله في مريم ( ) لتبشر به المتقين ( ) وقوله في طه ( ) لعلهم يتقون ( ) وقوله ( ) وعنت الوجوه للحي (

القيوم ) وقوله في الطلاق ( ) من الظلمات إلى النور ( ) وقوله ( ) إن الله على كل شيء قدير ( ) لكونه مخالفا لما قبله وما بعده من رؤوس آي تلك السور وغير مشبه ولا مشاكل له ولا عدوا أيضا قوله تعالى في آل عمران ( ) أفغير دين الله يبغون ( ) وقوله في المائدة ( ) أفحكم الجاهلية يبغون ( ) وقوله في الأنعام ( ) إنما يستجيب الذين يسمعون ( ) وقوله في الأعراف ( ) فدلاهما بغرور ( ) وقوله في الأنفال ( ) إن أولياؤه إلا المتقون ( ) وقوله في الفرقان ( ) قوم آخرون ( ) وقوله ( ) وهم يخلقون ( ) وقوله ( ) أساطير الأولين ( ) وقوله ( ) التي وعد المتقون ( ) من حيث لم يشبه ما قبله ولا ما بعده ولم يشاكله ولا ساواه في القدر والطول
ولا عدوا أيضا قوله في المائدة ( ) إن فيها قوما جبارين ( ) وقوله ( ) لقوم آخرين ( ) وقوله في الأنعام وهود ( ) فسوف تعلمون ( ) وقوله في الأعراف ( ) ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ( ) وقوله في الأنفال ( ) أولئك هم المؤمنون ( ) وقوله في يوسف ( ) ودخل معه السجن فتيان ( ) وقوله في إبراهيم ( ) ربنا أخرنا إلى أجل قريب ( ) لما لم يكن كلاما تاما منقطعا وكان كلاما ناقصا متصلا
ولا عدوا أيضا قوله في يوسف ( ) وآتت كل واحدة منهن سكينا ( ) وقوله ( ) عبرة لأولي الألباب ( ) وقوله في إبراهيم ( ) الشمس والقمر دائبين ( ) وقوله في سبحان ( ) عميا وبكما وصما ( ) وقوله في الكهف ( ) إلا مراء ظاهرا ( ) وقوله في مريم ( ) واشتعل الرأس شيبا ( ) وقوله ( ) الذين اهتدوا هدى ( ) لما خالف ما قبله وما بعده في البنية والتشاكل والتساوي وقد عدوا نظائر ذلك في

سور شتى شاكلت فيهن ما قبلها وما بعدها بالمعاني المذكورة
وقد تجيء آي السور مبنية على ضرب من التشاكل متفق غير مختلف وقد تجيء على ضربين مختلفين وعلى أضرب مختلفة وقد يختلط ذلك التشاكل بعضه ببعض ويتقدم ويتأخر في السورة الواحدة وفي السور الكثيرة وتقع بين ذلك فواصل نوادر تشبهن ما قبلهن أو ما بعدهن فيهن أو مثلهن في سور أخر وذلك من الإعجاز المخصوص به القرآن الذي أخرس الفصحاء والبلغاء وأعجز الألباء والفقهاء
وهذه نبذة مقنعة في معرفة آي السور وتمييز الفواصل من غيرها يستدل بها ويعمل عليها ونحن نصلها بذكر علل اختلاف المختلفين من العادين فيما اختلفوا فيه من ذلك ونقدم القول في المختلف فيه في الفاتحة من التسمية وغيرها ثم نتبع ذلك جملة كافية يستدل بها على علل باقي المختلف فيه ليخف بذلك كتابنا وتتوفر به فائدته إن شاء الله
فأقول إن من عد التسمية في أول الفاتحة دون ( ) أنعمت عليهم ( ) فلأشياء منها انعقاد الإجماع على أن الحمد سبع آيات وأن آخر التسمية مشاكل لأواخر آيها بوقوع حرف المد قبل آخر حرف منها ومشبه لما بعدها من الآي في القدر والطول فإن قوله ( ) الرحيم ( ) لم يرد في شيء من القرآن إلا رأس آية فإن النبي قد جاء عنه على ما رويناه قبل وعن ابن عباس وابن عمر رحمهما الله أنهم كانوا يستفتحون بها القراءة ويعدونها آية فاصلة وأن قوله ( ) أنعمت عليهم ( ) غير مشبه لما قبله وما بعده من الآي ولا مشاكل لشي منهن في بنية وزنة وأن قوله ( ) عليهم ( ) لم يرد في شيء من القرآن رأي آية فلما كان ذلك كذلك عد التسمية دون ( ) أنعمت عليهم ( ) وحصلت الفاتحة سبع آيات على ما ورد به التوقيف وانعقد عليه الإجماع من كونها كذلك

ومن لم يعد التسمية وعد ( ) أنعمت عليهم ( ) فلأمور أيضا منها أن الإجماع لم ينعقد على أنها آية من أول الفاتحة وأنه انعقد على أنها ليست آية في سائر السور وإن كانت مرسومة في أوائلهن من حيث لم يعدوها مع جملة آيهن وإن اختلفوا في عدها في أول الفاتحة فواجب حملها معها على وجه حملها على غيرها من السور في أنها ليست من جملتها ولا بآية منها إذ حمل المختلف فيه على المجمع عليه ورده إلى حكمه أولى وأحق وأن النبي ثبت عنه من الوجوه المجمع على صحتها وعن الخلفاء الثلاثة بعده أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم أنهم لم يفتتحوا القراءة في الصلاة بها بل افتتحوا بأول الحمد دونها وأن ذلك كان آخر المحفوظ عنه من فعله وأنها في السورة المجمع عليه أنها منها بعض آية من حيث كانت فيها موصولة بكلام قبلها وأن الخبر القاطع للعذر وهو خبر العلاء بن عبد الرحمن عن أبي السائب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي مخبرا عن الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي مؤذن بأنها ليست من أول الفاتحة من حيث أضرب عنها ولم يذكرها في جملة آيها ولو ذكرت في جملة آيها لفسدت القسمة ولم تصح ومحقق أن الآية السادسة ( ) أنعمت عليهم ( ) من حيث أعقب ما للعبد من لدن ( ) اهدنا ( ) إلى آخر السورة بقوله فهؤلاء ولم يعقبه بقوله فهاتان إذ كان يجب لو لم تكن السادسة ولو كان ذلك لبطلت القسمة أيضا ولكانت الحمد ست آيات وأن التشاكل في آي السور والتساوي بين الفواصل ليس بمبطل ما جاء نادرا وورد مخالفا لذلك خارجا عن حكم بنائه ووزنه وذلك من حيث عد الكل من العادين باتفاق منهم وباختلاف بينهم آيات غير مشبهات لما قبلهن وما بعدهن من الآي في القدر والطول والتشاكل والشبه من ذلك عدهم في النساء ( ) ألا تعولوا ( ) وفي المرسلات ( ) لواقع ( )

وفي الزلزلة ( ) ليروا أعمالهم ( ) وفي النصر والفتح رؤوس آي وعدهم إلا الشامي في سأل سائل ( ) خمسين ألف سنة ( ) آية ولم يجيء قوله ( ) سنة ( ) رأس آية في شيء من القرآن كما لم يجيء فيه قوله ( ) عليهم ( ) رأس آية وإنما جاء فيها فاصلة من حيث قصر آيهن ومعلوم ان ما قصر آية من السور قد يجيء فيه من الفواصل ورؤوس الآي ما لا يجيء فيما طال آية منهن وعد أهل الكوفة في سبحان ( ) للأذقان سجدا ( ) وفي طه ( ) ما غشيهم ( ) و ( ) إذ رأيتهم ضلوا ( ) وفي الأنبياء ( ) ولا يضركم ( ) وفي ص ( ) ذي الذكر ( ) وعد أهل البصرة في القتال ( ) لذة للشاربين ( ) وفي لم يكن ( ) له الدين ( ) وعد أهل الشام في طه ( ) ولا تحزن ( ) و ( ) في أهل مدين ( ) و ( ) معنا بني إسرائيل ( ) وفي الطلاق ( ) واليوم الآخر ( ) وعد المدني الآخر في الكهف ( ) ما يعلمهم إلا قليل ( ) رؤوس آي وليس بشيء من ذلك بمشبه ولا بمشاكل لما قبله ولما بعده من رؤوس آي السور المذكورة فدلت هذه الجملة على صحة مذهب العادين ( ) أنعمت عليهم ( ) دون التسمية في الفاتحة
فإن قال قائل فما علة من عد الكلم الواقعة في الفواتح نحو ( ) الم ( ) و ( ) المص ( ) و ( ) كهيعص ( ) و ( ) طه ( ) و ( ) طسم ( ) و ( ) يس ( ) و ( ) حم ( ) رؤوس آي وما علة من لم يعدهن
قيل من عدهن فلأمرين أحدهما كونهن مشبهات للجملة المستقلة وللكلام التام وذلك من حيث كن أسماء للسور اللائي وقعن في أوائلهن والتقدير فيهن اتل ألم وكذا سائرهن والثاني مشاكلتهن لما بعدهن من رؤوس الآي بالردف ووقوع حرف المد قبل آخر حرف من الكلمة التي هي رأس الآية

ومن لم يعدهن فلأمرين أيضا أحدهما كونهن غير مشبهات لما بعدهن من الآي في القدر والطول من حيث كانت كل كلمة منهن صورة منفردة لا يختلط بها شيء ولا يتصل بها كلام ففارقن بذلك سائر الآي في كونهن جملة كلم وعدة صور والثاني كون ما بعدهن متعلقا بهن من حيث قيل إنهن أقسام وتنبيه وإن معناهن يا محمد ويا رجل ففائدتهن فيما بعدهن وإذا كن كذلك لم يكن رؤوس آي
وكذا القول عندنا في جميع ما يختلف العادون في عده وإسقاطه من الآي أن من عد شيئا فلكونه جملة مستقلة وكلاما تاما منقطعا أو لكونه محمولا على ما قبله أو ما بعده من رؤوس الآي من طريق التشاكل بوقوع الحروف التي رؤوس الآي مبنية عليها قبل الحرف الذي آخر الكلمة التي هي الفاصلة وسواء قل ذلك أو كثر أو لأن مثله ونظيره قد عد بإجماع
ومن لم يعد ذلك فلكونه كلاما متصلا بما بعده ومتعلقا به على ما يحتمله من توجيه المعنى وتقدير الإعراب أو لكونه مخالفا لما قبله أو لما بعده من رؤوس الآي غير مشبه ولا مساو ولا مشاكل له في زنة ولا بنية ولأن مثله ونظيره لم يعد بإتفاق
ولنذكر من ذلك نبذة تدل على سائره وتغني عن إيراد كله من ذلك أن من عد في البقرة ( ) ولهم عذاب أليم ( ) فلمشاكلته ما قبله من قوله ( ) ولهم عذاب عظيم ( ) ومن لم يعده فلاتصاله بما بعده من قوله ( ) بما كانوا يكذبون ( ) وكونه وما بعده كلاما واحدا ولأن الكل لم يعد الحرف الذي عند رأس التسعين من آل عمران وهو مثله
ومن عد ( ) إنما نحن مصلحون ( ) فللتشاكل الذي بينه وبين ما قبله وما بعده

من الفواصل بالردف ومن لم يعده فلتعلقه بما بعده من طريق المعنى الذي يقتضي تمام الحال
ومن عد ( ) إلا خائفين ( ) فلمشاكلته ما قبله من رؤوس الآي ومن لم يعده فلتعلقه بما بعده إذ فيه انقضاء حالهم
ومن عد ( ) يا أولي الألباب ( ) فلمشاكلته ما قبله من قوله ( ) شديد العقاب ( ) وما بعده من قوله ( ) سريع الحساب ( ) وكونه كلاما تاما ومن لم يعده فلمخالفته ما اتصل به وأتى بعده من قوله ( ) لمن الضالين ( ) و ( ) غفور رحيم ( )
ومن عد ( ) من خلاق ( ) الثاني فلمشاكلته ما بعده من قوله ( ) عذاب النار ( ) وكونه جملة مستقلة ومن لم يعده فلانعقاد الإجماع على ترك عد الحرف الأول الذي بعد رأس المئة
وكذا من عد ( ) ماذا ينفقون ( ) الثاني فلمشاكلته ما قبله من رؤوس الآي
ومن لم يعده فللإجماع على ترك عد الحرف الأول والثالث فرد المختلف فيه إلى المجمع عليه
ومن عد ( ) لعلكم تتفكرون ( ) فللتشاكل الذي بينه وبين ما قبله من الفواصل ومن لم يعد فلاتصاله بما بعده من قوله ( ) في الدنيا والآخرة ( ) وكونه معه كلاما واحدا

ومن عد ( ) قولا معروفا ( ) فلكونه كلاما تاما وجملة كافية ومن لم يعده فلكونه غير مشبه ولا مشاكل لما تقدمه ولما أتى بعده من الفواصل
ومن عد ( ) الحي القيوم ( ) في آية الكرسي فلانعقاد الإجماع على عد نظيره في أول آل عمران ومن لم يعده فلورود التوقيف على النبي بتسمية الاية بما جرى فيها من ذكر الكرسي فدل على اتصال الكلام فإن انقضاء الآية وتمامها عند قوله ( ) وهو العلي العظيم ( )
ومن عد ( ) من الظلمات إلى النور ( ) فلكونه كلاما مستقلا وجملة كافية ومن لم يعده فلكون ما بعده جملة معطوفة عليه
ومن عد في آل عمران ( ) والإنجيل ( ) الأول فلمشابهة الياء التي فيه بالواو التي في قوله ( ) القيوم ( ) من حيث يجتمعان في الردف ومن لم يعده فلتعلقه بما بعده وكونه معه كلاما واحدا
ومن عد ( ) وأنزل الفرقان ( ) فلكونه كلاما تاما وكون ما بعده مستأنفا ومن لم يعده فلكونه غير مشبه ولا مشاكل لما قبله من قوله ( ) الحي القيوم ( )
ومن عد ( ) والإنجيل ( ) الثاني فلكونه كلاما مستقلا ومن لم يعده فلكون ما بعده معطوفا على ما قبله
ومن عد ( ) إلى بني إسرائيل ( ) فلمشابهته ما قبله من قوله ( ) من المقربين ( ) و ( ) من الصالحين ( ) وما بعده من قوله ( ) مؤمنين ( ) و ( ) وأطيعون ( ) مع انعقاد الإجماع على عده في الأعراف والشعراء والسجدة والزخرف
ومن لم يعده فلتعلقه بما بعده من قوله ( ) قد جئتكم ( ) مع انعقاد الإجماع على ترك عد الحرف الثاني وهو ( ) كان حلا لبني إسرائيل ( )

ومن عد ( ) مما تحبون ( ) فلمشاكلته ما قبله وكونه كلاما تاما ومن لم يعده فلاتصاله بما بعده من جهة المخاطبة وكونه كلاما واحدا ولانعقاد الإجماع على ترك عد الحرف الثاني وهو قوله ( ) من بعد ما أراكم ما تحبون ( )
ومن عد في النساء ( ) أن تضلوا السبيل ( ) فلإجماعهم على عد نظيره في الفرقان وهو قوله ( ) أم هم ضلوا السبيل ( ) ومن لم يعده فلمخالفته ما قبله وما بعده من الفواصل
وكذا من عد في الشورى ( ) كالأعلام ( ) فللإجماع على عد نظيره في الرحمن ومن لم يعده فلمخالفته ما قبله وما بعده
وكذا من عد ( ) والطور ( ) و ( ) الرحمن ( ) و ( ) الحاقة ( ) و ( ) القارعة ( ) و ( ) والعصر ( ) رؤوس آي فلمشاكلتها ما بعدها من رؤوس آي تلك السور ولإجماعهم لأجل ذلك على عد ( ) والفجر ( ) و ( ) والضحى ( ) ومن لم يعدها فلمخالفتها ما بعدها من الفواصل في القدر والطول
وكذا من عد في الأعراف ( ) كما بدأكم تعودون ( ) فلكونه كلاما تاما وكون انتصاب قوله ( ) فريقا ( ) ب ( ) هدى ( ) لا به والتقدير هدى فريقا وأضل فريقا ومن لم يعده فلتعلقه بما بعده من حيث كان ناصبا له والتقدير تعودون فريقين أي تعودون على حال الهداية والضلالة
وكذا من عد الكهف ( ) إلا قليل ( ) فلكونه كلاما مستقلا ومن لم يعده فلمخالفته ما قبله وما بعده من رؤوس الآي

وكذا من عد في مريم ( ) واذكر في الكتاب إبراهيم ( ) فلمشاكلته ما قبله من قوله ( ) مستقيم ( ) و ( ) عظيم ( ) ومن لم يعده فلمخالفته ما بعده من سائر الفواصل
وكذا من عد في الزمر ( ) فبشر عباد ( ) فلانقطاع ما بعده منه من حيث قدره مبتدأ وجعل خبره في قوله ( ) أولئك الذين هداهم الله ( ) ومن لم يعده فلاتصال ما بعده به من حيث جعله نعتا له
وكذا من عد في الحديد ( ) من قبله العذاب ( ) فلكونه كلاما مستقلا ولأن نظيره في غير ماسورة قد عد بإجماع ومن لم يعده فلمخالفته ما قبله وما بعده من الفواصل
وعلى نحو ما قلناه في هذه الجملة يجري القول في سائر المختلف فيه من الآي فليعمل فيه على ما قلناه إن شاء الله
فإن قال قائل لم انعقد إجماع العادين على عد ( ) الر ( وألمر ) وقد عد أهل الكوفة منهم طه وألم قيل لم يعدوا الر وألمر لما لم يكن آخرهما مشاكلا لرؤوس الآي التي بعدهما في السور التي هما فيها إذ آخرهما مبني على ألف ساكنة قبلها فتحة وآخر آي تلك السور حرف مردوف بياء أو بواو أو بألف فلما خالفا بذلك سائر الآي لم يعدا وعدوا ( ) طه ( ) و ( ) الم ( ) لما كان آخرهما ومشاكلا لرؤوس الآي التي بعدهما أما ( ) طه ( ) فبالألف المفخمة أو الممالة وأما ( ) الم ( ) فبالردف ومخرج الحرف يريد الحرف الذي هو الياء والواو فلما كانا كذلك عدا

فإن قال لم لم يعدوا ( ) طس ( ) وعدوا ( ) طسم ( ) قيل لم يعدوا طس من حيث أشبه الإسم المفرد في الزنة نحو هابيل وقابيل فلم يكن لذلك جملة مستقلة كما أن هذين الإسمين ليسا كذلك ووجه الشبه بالزنة أنه على خمسة أحرف أولها مفتوح وثانيها ألف كما أنها على ذلك وأن أوله أيضا حرف صحيح غير معتل كما أن أولهما كذلك وليس شيء من الكلم الواقعة في الفواتح على زنة المفرد يعد إلا ( ) يس ( ) وحده وإنما خص بذلك من حيث كان أوله حرفا معتلا زائدا وهو الياء فخرج لأجل ذلك عن حكم الإسم المفرد الذي لا يعد فعد وعدوا ( ) طسم ( ) من حيث لم يشبه الإسم المفرد في وزنه وبنائه وعدد حروفه وكان لذلك جملة مستقلة مشبها لما بعده من رؤوس آي السورتين اللتين هو أولهما
فإن قال لم لم يعدوا ( ) طس ( ) وعدوا ( ) يس ( ) وكلاهما على زنة المفرد الذي لا يعد قيل لم يعدوا ( ) طس ( ) لما قلناه من أنه أشبه هابيل وقابيل من جهة الزنة وعدة الحروف وأن أول حروفه حرف صحة كما أن أول حرف منهما وعدوا يس لما كان أوله حرف علة وهو مخرجه من جملة الأسماء المفردة التي لا تعد من حيث عدم وقوعه في أولها فأشبه لأجل ذلك الجملة المستقلة والكلام التام وشاكل أيضا ما بعده من رؤوس الفواصل بوقوع حرف المد قبل الحرف الذي هو آخر الكلمة التي هي رأس الآية
فإن قال لم لم يعدوا ( ) طس ( ) وعدوا ( ) حم ( ) وهما على وزن واحد وبناء واحد قيل لم يعدوا ( ) طس ( ) لأمرين أحدهما لما انفرد عن نظيره من ( ) طسم ( ) في الزنة وعدة الحروف والثاني لما أشبه الإسم المفرد وعدوا ( ) حم ( ) لما لم ينفرد عن نظيره من جملة الحواميم بالزنة وعدد الحروف فوجب لذلك أن يجري عليه حكم الجملة المستقلة والكلام التام ولما اجتمع في ( ) طس ( ) الانفراد عن النظير والشبه بهابيل وقابيل وكل واحد من هذين الوجهين يقتضي مخالفة وجب الخلاف ولما انفرد بالزنة فقط لم يجب الخلاف كما وجب فيما اجتمع فيه سببان

فإن قال لم عدوا ( ) عسق ( ) قيل عدوه من حيث أشبه الجملة المستقلة والكلام التام بخروجه عن زنة الإسم المفرد الذي ليس كذلك
فإن قال لم لم يعدوا ( ) ص ( ) و ( ) ق ( ) و ( ن ) وهي حروف تهج قيل لم يعدوها من حيث أشبهت الأسماء المفردة التي على ثلاثة أحرف نحو باب ودار وعود وحوت والأسماء المفردة لا تعد لما لم تكن جملة مستقلة وإنما يعد ما كان كذلك أو مشابها له أو مشاكلا لرؤوس الآي لا غير فهذا بين واضح حسن نافع وبالله التوفيق