باب ذكر أيام السنة العربية وأسماء شهورها

السنة العربية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما ، وخمس (يوم) وسدس يوم ، وذلك أحد عشر (١) جزءا من يوم ، على أن اليوم ثلاثون جزءا. ويجتمع من هذه الأجزاء يوم كامل ، وذلك في الأكثر من ثلاث سنين إلى ثلاث سنين. ففي كلّ سنة ثالثة من سني العرب يوم زائد يجعل في آخر ذي الحجّة. وتسمّى تلك السّنة كبيسة. ويكون أيامها ثلاثمائة يوم وخمسة وخمسين يوما.

وشهور العرب اثنا عشر شهرا ، وهذه أسماؤها وعدّة أيام كلّ شهر منها (٢).

أوّلها المحرّم ، وهو ثلاثون يوما. ثم صفر ، وهو تسعة وعشرون يوما. ثم ربيع الأوّل ، وهو ثلاثون يوما ، ثم ربيع الآخر ، وهو تسعة وعشرون يوما. ثم جمادى الأولى ، وهو ثلاثون يوما. ثم جمادى الآخرة ، وهو تسعة وعشرون يوما. ثم رجب ، وهو ثلاثون يوما. ثم شعبان ، وهو تسعة وعشرون يوما. ثم رمضان ، وهو ثلاثون يوما. ثم شوّال ، وهو تسعة وعشرون يوما ، ثم ذو القعدة ، وهو ثلاثون يوما. ثم ذو الحجّة ، وهو تسعة وعشرون يوما. وإذا كانت السّنة كبيسة كان ذو الحجّة ثلاثين يوما.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : إحدى عشر ، وهو غلط.

(٢) أنظر الآثار الباقية ٦٠ ، ٦١ ، ٦٩ ، ٣٢٥ ، ٣٣٥.

 

فهذا الذي رسمه أهل الحساب في مقادير الشهور العربية (١) ؛ وهو مبنيّ على حساب المفارقة (٢).

ولم تكن العرب تعمل به ، وإنما كان اعتمادهم على الأهلّة. فكانوا يفتحون الشهر إذا رأوا الهلال ، ويجعلون ابتداءه من أوّل الليلة التي ظهر فيها الهلال. وكانوا يسمّون تلك الليلة غرّة الشهر لكون الهلال في أوّلها كالغرّة في وجه الفرس. ثم لا ينقضي الشهر عندهم حتى يروا الهلال كرّة أخرى ، فيبتدئون حينئذ شهرا ثانيا.

قال الشاعر :

إذا ما سلخت الشّهر أهللت مثله

 

كفى قاتلا سلخي الشّهور وإهلالي (٣)

يقال : سلخت الشهر إذا خرجت منه. وانسلخ الشهر إذا انقضى. وأهللت الهلال إذا رأيته. فهكذا كانت العرب تعمل في حساب شهورها.

__________________

(١) وهو ليس بواقع دائما ، ولا يوافق الرؤية ، رؤية هلال الشهر ، على الأكثر. وقد رد أبو الريحان البيروني على أهل الحساب في هذا الموضوع ، وبين غلطهم ، وحمل عليهم حملة منكرة لفعلهم هذا ، وقال فيهم : «ثم منذ سنين نبتت نابتة ونجمت ناجمة ونبغت فرقة جاهلية ، فنظروا إلى أخذهم بالتأويل ...»

أنظر الآثار الباقية ٦٤ ـ ٦٨ ، وسيشير المؤلف إلى ذلك بعد قليل.

(٢) أي مفارقة كل شهر ما قبله بزيادة يوم أو نقصانه ، كما ذكر المؤلف. فتكون ستة أشهر من السنة تامة وستة ناقصة ، وكل شهر ناقص منها يتلو تاما. وهو ليس بواقع دائما كما قلنا آنفا. الآثار الباقية ٦٥.

(٣) في الأصل المخطوط : هللت ، وهو غلط ، والتصويب من اللسان. وفيه أيضا : قائلا ، وهو تصحيف. والبيت في اللسان (سلخ).

وقال في اللسان : «التهذيب : يقال سلخنا الشهر ، أي خرجنا منه ، فسلخنا كل ليلة عن أنفسنا جزءا

 

ثم جاء الإسلام فثبّت ذلك ، وألزم به في الصّوم والفطر والحجّ. ووقع عليه التعويل والاحتساب به في التاريخ ، وفيما يحدث (١) (في) شهور العرب من المواقيت والآجال التي تجري بين الناس. قال الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ، قُلْ : هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ»)(٢) وقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد ذكر شهر رمضان : لا تصوموا حتّى ترووا الهلال ، ولا تفطروا حتّى تروه. فإن غمّ عليكم فاقدروا له (٣) ، وفي رواية أخرى «فأكملوا العدّة ثلاثين» ، وهي مفسّرة للرواية الأخرى (٤).

فحساب المفارقة ربما وافق الرؤية ، وربما خالفها (٥). وخلافه لها هو الأكثر. فيكون أوّل الشهر في حساب المفارقة متقدّما للرؤية بيوم في الأغلب ، وربما تقدّمها بيومين ، وهو قليل.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : مجدد ، وهو تصحيف.

(٢) سورة البقرة ٢ / ١٨٩.

(٣) أنظر الحديث في الأنواء ١٢٩ ، والنهاية ٣ / ١٩٣ ، ٢٦٢ ، واللسان (قدر ، غمم).

غم عليكم : يريد غم عليكم الهلال ، أي إذا حال دون رؤيته غيم أو غيره فلم ير ، من غممت الشيء إذا غطيته. وفاقدروا له : أي قدر روا له المسير والمنازل (الأنواء ١٢٩).

والتقدير له كما ذكر ابن قتيبة «أن يكون إذا غم على الناس ليلة ثلاثين ، في آخر شعبان ، بأن تعرف مستهله في شعبان لليلته. ويعلم أنه يمكث فيها سنة أسباع ساعة من أولها ، ثم يغيب. وذلك في أدنى مفارقته للشمس. ولا يزال في كل ليلة يزيد على مكثه في الليلة التي قبلها ستة أسباع ساعة. فإذا كان في الليلة السابعة غاب في نصف الليل. وإذا كان في ليلة أربع عشرة طلع مع غروب الشمس ، وغرب مع طلوعها. ثم يتأخر طلوعه عن أول ليلة خمس عشرة ستة أسباع ساعة. ولا يزال في كل ليلة يتأخر طلوعه عن الوقت الذي طلع فيه في الليلة التي قبلها ستة أسباع ساعة إلى أن يكون طلوعه ليلة ثمان وعشرين مع الغداة. فإن لم ير صبح ثمان وعشرين علم أن الشهر ناقص ، وعدته تسعة وعشرون يوما. وإن رئي علم أن الشهر تام ، وعدته ثلاثون».

الأنواء ١٢٩ ـ ١٣٠ والأزمنة ٢ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

(٤) ذكر ابن قتيبة أن هذا حديث آخر من رواية ابن عباس ناسخ للحديث الأول الذي هو من رواية ابن عمر. الأنواء ١٢٩ والأزمنة ٢ / ٣٦٧. وانظر فصل (ذكر القمر) من باب النجوم السيارة الآتي من هذا الكتاب.

(٥) شرح أبو الريحان البيروني ذلك في تفصيل وفضل بيان في الآثار الباقية ٦٥ ـ ٦٦ ، قال : «فأما أصحاب الهيئة ومن تأمل الحال بعناية شديدة فإنهم يعلمون أن رؤية الهلال غير مطرد على سنن واحد ، لاختلاف حركة القمر المرئية بطيئة مرة وسريعة أخرى ، وقربه من الأرض وبعده ، وصعوده في الشمال والجنوب ، وهبوطه فيهما ، وحدوث كل واحد من هذه الأحوال له في كل نقطة من فلك البروج. ثم بعد ذلك لما يعرض من سرعة غروب بعض القطع من فلك البروج ، وبطء بعض ، وتغير ذلك على اختلاف عروض البلدان ، واختلاف الأهوية .. وتفاوت قوى بصر الناظرين إليه في الحدة والكلال ... وإن ذلك كله يتفنن بتزايد عروض البلدان وتناقصها ، فيكون الشهر تاما في البلدان الشمالية مثلا ، وناقصا هو بعينه في الجنوب منها ، وبالعكس. ثم لا يجري ذلك فيها على نظم واحد ، بل يتفق فيها أيضا حالة واحدة بعينها لشهر واحد مرارا متوالية وغير متوالية ..»