باب ذكر أيام السنة الشمسية

السّنة الشمسيّة ثلاثمائة يوم وخمسة وستون يوما وربع يوم. وهي مدّة قطع الشمس الفلك. وذلك وقت حلولها بأوّل جزء من برج الحمل (١) إلى وقت حلولها به مرة أخرى. وهذا الوقت هو ابتداء سيرها في الفلك. وكلما حلّت الشمس برأس الحمل فقد انقضت سنة من سني الشمس ، ودخلت سنة أخرى.

وسنة الشمس هذه منقسمة أرباعا. فالربع الأوّل منها يسمّى الربيع ، والربع الثاني منها يسمّى الصيف ، والربع الثالث منها يسمّى الخريف ، والربع الرابع يسمّى الشتاء.

واعلم أنّ الروم والسّريانين والقبط بنوا حساب أزمنتهم على مسير الشمس. فجعلوا مدّة سنتهم ثلاثمائة يوم وخمسة وستين يوما. وزادوا والمكان الربع الذي فس سنة الشمس يوما في كلّ سنة رابعة. فاتّفق حسابهم وحساب الشمس ، لأن كلّ أربع سنين من سنيهم مساوية (٢) في عدّة الأيام لأربع سنين شمسية ؛ وصارت شهورهم من أجل ذلك ثابتة في أزمنة الشمس ، غير منتقلة عن مواضعها منها.

__________________

(١) في الأصل المخطوط بعد هذا : إلى وقت حلولها بأول جزء من برج الحمل ، وهي زيادة لا لزوم لها ، ونراها من ضلال النسخ.

(٢) في الأصل المخطوط : متساوية ، وهي تصحيف.

 

إلّا أنهم لم يجعلوا ابتداء سنتهم موافقا لابتداء سنة الشمس بل افتتح كلّ فريق منهم السّنة في وقت من سنة الشمس غير موافق لأوّلها. فكان افتتاح السّريانيين سنتهم في الربع الثالث من سنة الشمس ، وهو فصل الخريف (١) ، والشمس حينئذ ببرج الميزان. وكانت الروم في أوّل أمرها موافقة لهم على ذلك ، ثم افتتحت الروم السّنة بعد ذلك في الربع الآخر من سنة الشمس ، وهو فصل الشتاء (٢) ، والشمس حينئذ ببرج الجدي. وافتتحت القبط سنتها (٣) في الربع الثاني من سنة الشمس ، وهو فصل الصيف (٤) والشمس حينئذ ببرج السّنبلة.

وإنما خصصنا هؤلاء بالذكر ، دون غيرهم من العجم (٥) ، لأن حسابهم هو المحفوظ في بلاد المسلمين ، والمستعمل فيها. وأشهر ذلك وأغلبه على استعمال الناس حساب الروم والسّريانيين (٦). وعليه اعتمدنا في كتابنا هذا في تحديد (٧)

__________________

(١) قال المسعودي في التنبيه والإشراف ١٥ في تعليل ذلك :

«ومنهم من اختار تقديم الاعتدال الخريفي لأن جميع الثمار فيه تستكمل ، والبذور فيه تبذر. وإنما سمي الخريف لأن الثمار تخترف فيه ، أي تجتني. والعرب تسميه الوسمي بالمطر الذي يكون فيه وذلك أن أول المطر يقع على الأرض وهي بعيدة العهد بالرطوبة ، وقد يبست بالصيف ، فتسميه بهذا الإسم لأنه يسم الأرض. وهو يبتدئون من الأزمان بهذا الفصل لأن المطر الذي به عيشهم فيه يبتدئ».

(٢) افتتح الروم سنتهم بهذا الفصل بسبب ميلاد المسيح ، عليه‌السلام. ذكر المؤلف ذلك في آخر الباب التالي ، وهو (باب في تاريخ الروم والسريانيين ...) وقال" «وكان أول شهر دخل بعد مولد المسيح يناريه ، فجعل أول السنة في التاريخ المنسوب إليه».

(٣) في الأصل المخطوط : سنينها ، وهو تصحيف.

(٤) قال المسعودي في الإشراف والتنبيه ١٥ في تعليل ذلك : «ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الصيفي ، لأنه الوقت الذي فيه كمال طول النهار ، وأن مد النيل بمصر فيه يكون».

(٥) يريد المؤلف بالعجم غير العرب من الأمم.

(٦) اشتهر حساب الروم وشاعت أسماء شهورهم في المغرب العربي. واشتهر حساب السريان وشاعت شهورهم في المشرق العربي. وسيذكر المؤلف ذلك بعد قليل. والسريان هم نصارى الشام والعراق (الآثار الباقية ٥٩).

وقال أبو الريحان البيروني : «وقد اشتهرت هذه الشهور (أي السريانية) حتى استظهر بها المسلمون ، وقيدوا بها ما احتاجوا إليه من أوقات الأعمال». الآثار الباقية ٦٠.

(٧) في الأصل المخطوط : تجديد ، وهو تصحيف.

 

أوقات تداخل الفصول (١) ، وأوقات الطلوع والسقوط ، وغير ذلك مما يحدث في الأزمنة ، ويختصّ بوقت من أوقات السّنة.

وإذا وقع لنا ذكر السّنة العجمية فمرادنا بذلك سنة الروم والسّريانيين وشهورهم. وهم متّفقون في حسابهم ، ليس بينهم اختلاف ، إلا في أسماء الشهور. فإن السّريانيين يسمّونها بلغتهم ، والروم يسمّونها بلغتهم. وهي مستعملة في بلاد المسلمين بكلتا اللغتين. فأهل الشام والجزيرة يستعملونها بلغة السّريانيين ، وأهل الأندلس وصقلّية وإفريقيّة وما اتّصل بها يستعملونها بلغة الروم. وسنذكر أسماءها بلغة الفريقين (٢). ثم نذكر أسماء شهور القبط (٣) التي يستعملها أهل مصر ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) أي دخول الفصول.

(٢) ذكر المؤلف ذلك في (باب تاريخ الروم والسريانيين وأسماء شهورهم وهو الباب التالي وذكره أيضا في (باب معرفة الشهور الشمسية وأسمائها عند الأعاجم وما يحدث في كل شهر منها من طلوع المنازل وسقوطها) وهو الباب الأخير من الكتاب.

(٣) ذكر المؤلف ذلك في الباب الأخير من الكتاب أيضا مفرقا في الأوقات التي تدخل فيها شهور القبط من شهور السريان.

وشهور القبط هي :

توت ، بابه ، هتور ، كيهك ، طوبه ، أمشير ، برمهات ، برمودة ، بشنس ، بونه ، أبيب ، مسرى.

وأنظر الآثار الباقية ٤٩ ـ ٥٠ ، ونهاية الأرب ١ / ١٥٩ ـ ١٦١.

والقبط يبدءون سنتهم بشهر توت ، ودخوله يوافق أبدا يوم ٢٩ آب.