باب في معنى النوء

النجوم التي تنسب إليها الأنواء هي منازل القمر الثمانية والعشرون ومعنى النّوء أن يسقط النجم منها في المغرب بالغداة ، وقد بقي من الليل غبش يسير ، ويطلع آخر يقابله تلك الساعة من المشرق. والذي ناء منهما في الحقيقة هو الطالع ، لأن النّوء في اللغة النهوض ولكن العرب قلبت ذلك ، فجعلت النّوء للساقط منهما ، لا للطالع فإذا قالوا : ناء نجم كذا فمعناه سقط بالغداة (١).

وإنما فعلوا ذلك لأن النّوء ، وإن كان معناه في كلامهم النهوض ، فإنما هو نهوض المثقل الذي كأنه يميله شيء ، ويجذبه إلى أسفل. فالساقط من النجوم هو الذي مال وسفل. فلذلك نسبوا النّوء إليه. وقد حكى الفرّاء (٢) أن النّوء يكون بمعنى السقوط والميلان فمعنى قولهم ناء الكوكب ينوء ، أي مال ساقطا في المغرب ولم يستعملوا ذلك إلّا في سقوطه بالغداة.

فإذا ناء النجم من هذه النجوم فمدّة نوئه ثلاثه عشر يوما إلّا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما ، خصّت بذاك لشرف نوئها عندهم. فما كان في هذه الثّلاثة عشر يوما من مطر أو ريح أو برد فهو منسوب إلى ذلك النجم الساقط بالغداة. ويسمّى ذلك هيجا (٣). إلا أن يكون الهيج بارحا ، والبارح (٤) ريح السّموم فإنه ينسب إلى الطالع (٥). فإذا سمعتهم ينسبون الحرّ إلى الثّريا ، أو إلى الجوزاء ؛ أو إلى

__________________

(١) أنظر لذلك الأنواء ٧ ـ ٨ ، والأزمنة ١ / ١٨ ـ ١٨١ ، واللسان (نوأ).

(٢) هو أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء ، نحوي كوفي مشهور (٢٠٧). ترجمته في الفهرست ٦٦ ـ ٦٧ ، وطبقات النحويين للزبيدي ١٤٣ ـ ١٤٦ ، وتاريخ بغداد ١٤ / ١٤٩ ـ ١٥٥ ، ومعجم الأدباء ٢٠ / ٩ ـ ١٤ ، وبغية الوعاة ٤١١.

(٣) الهيج : المطر والريح والبرد ، كم ذكر المؤلف. ويقال : يومنا يوم هيج. أي يوم غيم ومطر.

(٤) في الأصل المخطوط : بارجا والبارج ، وهما تصحيف.

(٥) أنظر تفصيل ذلك في الأنواء ٨٨ ـ ٨٩.

 

الشعرى ، فإنما ذلك عند طلوعها. فإذا نسبوا المطر والبرد إليها فذلك عند سقوطها. وقد ينسبون البارح إلى الساقط أيضا ، لم ير ذلك لهم إلّا في زباني العقرب خاصّة ، فإنهم ينسبون (١) البوارح إليها ، وذلك عند سقوطها في آخر نيسان.

وقد يجعلون للنجم مدّة من الثّلاثة عشر يختصّ بنوء ، كقولهم في نوء الثّريّا إنه سبع ليال ، وفي نوء السّماك أربع ليال. وسنرى ذلك عند ذكرنا له (٢) في مواضعه إن شاء الله تعالى.

فإن مضت مدّة سقوط النجم ، ولم يكن فيها مطر ، قيل خوى نجم كذا ، وأخوى ، وأخلف ، إذا لم يكن في نوئه مطر.

واعلم أن للعرب في النّوء مذهبين :

أحدهما أن تجعل فعلا للكوكب حادثا عنه ، وهذا مذهب أهل الجاهلية. وهو مذهب فاسد ، واعتقاده كفر. وإياه عني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بقوله : «ثلاث من أمور الجاهليّة : الطّعن في الأنساب والنياحة والاستسقاء بالأنواء (٣). وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخبرا عن ربه عزوجل : «فأمّا من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب (٤).

والمذهب الآخر أن تجعل الأنواء أعلاما للأمطار ، وأوقاتا لها ، على وجه ما أجرى الله تعالى به العادة ، كما جعل شهر كانون وقتا للبرد ؛ وشهر حزيران وتموز وقتا للقيظ.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : ينسبوا ، وهو غلط.

(٢) سيذكر المؤلف ذلك مفرقا في الباب التالي ، وهو باب معرفة الشهور الشمسية.

(٣) أنظر الفائق ٣ / ١٠٣ ، والنهاية ٤ / ١٩٠ ، والأنواء ١٤ ، واللسان (نوأ).

(٤) أنظر اللسان (نوأ) ، والنهاية ٤ / ١٩٠ أيضا ، والأنواء ١٤.