معرفة الشهور الشمسية وأسمائها

عند الأعاجم وما يحدث في كل شهر منها من طلوع المنازل أو سقوطها.

الشهر الأول تشرين الأوّل ، ويقال له أكتوبر وهو أحد وثلاثون يوما (١) ، وعند القبط اسمه بابه (٢). وهو أوّل سنة الرّوم في تاريخ ذي القرنين.

وفي أوّل يوم منه تحلّ الشمس بالزّبانى. ويسقط بطن الحوت عند طلوع الفجر. وعند طلوعه ينتهي غور المياه ، وتهبّ رياح الصّبا ، ويصلح قطع الخشب ، ويتمّ صرام النخل (٣) ، ويطلع السّماك. قال ساجع العرب :

«إذا طلع السّماك ذهبت العكاك ، وقلّ على الماء اللّكاك (٤). العكاك : الحرّ (٥). واللّكاك : الازدحام على الماء يكون قد برد الزمان.

وفي خمسة عشر منه تحلّ الشمس بأوّل برج العقرب ، ويثبت الخريف. والشمس هابطة في الجنوب.

__________________

(١) أنظر ما سبق في ص ٤٩ من هذا الكتاب ، وانظر حاشيتنا رقم ١ هناك.

(٢) أنظر حاشيتنا رقم ٢ في ص ٤٨ من هذا الكتاب.

(٣) في الأصل المخطوط : النحل : وهو تصحيف.

(٤) في الأصل المخطوط : ذهب ، والتصويب عن الأنواء والمخصص.

وأنظر السجع في الأنواء ٦٥ ، والأزمنة ٢ / ١٨٢ ـ ١٨٣ والمخصص ٩ / ١٦ والمزهر ٢ / ٥٢٩ ، وعجائب المخلوقات ٤٧. وقل على الماء اللكاك : يريد قلة الازدحام عليه ، لقلة شرب الإبل في ذلك الوقت لبرد الزمان. والعكاك : جمع عكة ، وهي شدة الحر في سكون الريح.

(٥) في الأصل المخطوط : الجزور ، وهو تصحيف تصويبه من الأنواء ٦٥ ، ويمكن أن يقرأ ما في الأصل : الحرور ، وما أثبتناه أصوب.

 

وفي أربعة وعشرين منه تحلّ الشمس بالإكليل ، ويسقط النّطح بالغداة ، ويطلع الغفر. قال ساجع العرب :

«إذا طلع الغفر اقشعرّ السّفر ، وزال النّضر ، وحسن في العين الجمر» (١). السّفر : المسافرون. والنضر : نضارة (٢) الأرض.

وفي هذا الوقت تطلع الثّريّا عشيّا. تقول العرب : «إذا طلعت الثّريّا عشيّا ابتغى الرّاعي كساء (٣).

وفي ثمانية وعشرين منه يدخل هتور ، وهو الشهر الثالث من شهور سنة القبط.

الشهر الثاني تشرين الثاني ، ويقال له نومبر ، وهو ثلاثون يوما. في ستة أيام منه تحلّ الشمس بالقلب ، ويسقط البطين بالغداة وتطلع الزّبانى. قال ساجع العرب :

«إذا طلعت الزّبانى أحدثت لكلّ ذي عيال شانا ، ولكلّ ذي ماشية هوانا ، فاجمع للشّتاء ولا تتوانا (٤)». يريد أن البرد قد هجم ، فشغل صاحب العيال باتخاذ ما يصلح للشتاء ، وابتذل صاحب الماشية نفسه في تتبّع مصالحها.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : النظر ، وهو تصحيف.

وأنظر السجع في الأنواء ٦٧ ، والأزمنة ٢ / ١٨٣ ، والمخصص ٩ / ١٦ ، وعجائب المخلوقات ٤٧ ، والمزهر ٢ / ٥٢٩. اقشعر السفر : أي بردوا في الليل. وزال النضر : يريد ذهاب النضارة عن الأرض والشجر بتغير الكلأ وورق الشجر.

(٢) في الأصل المخطوط : والنظر نظارة ، وهما تصحيف.

(٣) أنظر السجع في الأنواء ٢٧ ، والأزمنة ٢ / ١٨٠ والمخصص ٩ / ١٥ ؛ ولفظة فيها : ...... عشاء .... كساء.

وكسيا : تصغير كساء.

(٤) أنظر السجع في الأنواء ٦٩ ، والأزمنة ٢ / ١٨٣ ، والمخصص ٩ / ١٦ ، والمزهر ٢ / ٥٢٩ وفيها : وقالوا : كان وكانا ، فأجمع ...» ، وعجائب المخلوقات ٤٧.

 

وفي أربعة عشر منه عطاس الثّريّا على مذهب القدماء وهنالك ينفلق البحر.

وفي خمسة عشر منه تحلّ الشّمس في برج القوس. وحينئذ يمتزج الخريف بالشتاء ، ويكون النهار عشر ساعات والليل أربع عشرة ساعة ، والشمس هابطة في الجنوب.

وفي تسعة عشر منه تحلّ الشمس بالشّولة ، وتسقط الثريا بالغداة ويطلع الإكليل. قال ساج العرب :

«إذا طلع الإكليل هاجت الفحول ، وشمّرت الذّيول ، وتخوّفت السّيول (١)».

ولسقوط الثّريّا نوء ، ومدّته سبع ليال. وهو أشرف نوء وأيمنه. فإذا جاءهم وثقوا بالخصب ، وإن أخطأ فهو الجدب إلا أن يصيبهم نوء الجبهة (٢) فإنها تعدل الثّريّا عندهم قال ذو الرمة :

نوء الثّريّا به أو جبهة الأسد (٣).

__________________

(١) أنظر السجع في الأنواء ٧٠ ، والأزمنة ٢ / ١٨٣ ، والمخصص ٩ / ١٦ ، والمزهر ٥٢٩ ، وعجائب المخلوقات ٤٨.

(٢) نوء الجبهة سبع ليال أيضا ، وهو في شباط ، فيكون نوء الثريا في الوسمى أي في الخريف ، في زمن تريد الأرض فيه الماء. ونوء الجبهة في أول الربيع إبان نمو الزرع والكلأ وانقطاع أمطار الشتاء. ولذلك يقولون : ما اجتمع مطر الثريا في الوسمي ومطر الجبهة في الربيع إلا كان ذلك العام تام الخصب والكلأ.

(٣) الشطر عجز بيت من قصيدة لذي الرمة مطلعها مع صلة البيت وصدره :

يا دارميّة بالخلصاء فالجرد

 

سقيا ، وإن هجت أدنى الشوق للكمد

من كلّ ذي لجب باتت بوارقه

 

تجلو أغرّ المعالي حالك النّضد

مجلجل الرعد عراصا إذا ارتجست

 

نوء الثريا ................

والقصيدة في ديوان ذي الرمة ١٣٤ ـ ١٤٩. والبيت في الأنواء ٣٢ ، والشطر فيه ٥٤. وروايته فيها جميعا : أو نثرة الأسد.

 

وفي تسع وعشرين منه يدخل كيهك ، وهو الرابع من سنة القبط.

الشهر الثالث كانون الأوّل ، ويقال له دجنبر. وهو أحد وثلاثون يوما.

في يومين منه تحلّ الشمس بالنّعائم ، ويسقط الدّبران بالغداة ، ويطلع القلب ، قال ساجع العرب :

«إذا طلع القلب جاء الشّتاء كالكلب ، وصار أهل البراري في كرب (١).

ويطلع أيضا النّسر الواقع بالغداة. ويقال له وللقلب : الهرّاران (٢) ، لأن الشتاء يهرّ بطلوعهما ، أي يشتدّ برده ، ثم تعصف رياحه. ولذلك قالوا : «جاء الشّتاء كالكلب» لهريرة. قالت العرب :

«إذا طلع الهرّاران يبست الأغصان ، وغشيت النّيران وهزلت السّمان ، وانحجزت الولدان ، واستدّ البرد بكلّ مكان» (٣).

وفي خمس عشرة ليلة منه تحلّ الشمس برج الجدي. وذلك فصل الشتاء محضا. وفيه انتهاء قصر النهار ، وطول الليل. ثم ترجع الشمس في ذلك اليوم صاعدة في الجنوب ، ويأخذ النهار في الزيادة.

__________________

(١) أنظر السجع في الأنواء ٧٠ ـ ٧١ ، والأزمنة ٢ / ١٨٣. والمخصص ٩ / ١٦ والمزهر ٢ / ٥٢٩ ، وفيها زيادة : «ولم تمكن الفحل إلا ذات ثرب» وعجائب المخلوقات ٤٨.

والرواية في الأنواء والمزهر والأزمنة : أهل البوادي ، وفي المخصص : أهل الوادي.

(٢) أنظر عجائب المخلوقات ٤٨.

(٣) أنظر السجع في المخصص ٩ / ١٦ ، والأزمنة ٢ / ١٢٨. وهو هاهنا أطول غشيت النيران : أي طلبها الناس واصطحوا بها لشدة البرد. وهزلت السمان : أي سمان الإبل ، لشدة البرد وقلة المرعى. وانحجزت الولدان. أي قعد الأولاد في البيوت عن اللعب والمراح.

 

وفي ذلك اليوم تحلّ الشمس بالبلدة ، وتسقط الهقعة بالغداة ، وتطلع الشولة. قال ساجع العرب :

«إذا طلعت الشّولة أعجلت الشّيخ البولة ، واشتدّت على العيال العولة ، وقيل : شتوة زولة (١)» العولة : الحاجة. وزولة : عجيبة منكرة. ويقال ذلك لشدّة البرد وهوله.

وفي خمسة وعشرين منه الميلاد.

وفي خمسة وعشرين منه يدخل طوبه وهو خامس شهر من سنة القبط.

وفي ثمانية وعشرين منه تحلّ الشمس بسعد الذّابح ، وتسقط الهقعة بالغداة ، وتطلع النّعائم. قال ساج العرب :

«إذا طلعت النّعائم طال الليل على النائم ، وقصر النّهار على الصّائم وخلص البرد إلى كلّ ناسم (٢)

الشهر الرابع كانون الآخر ، ويقال له يناريه. وهو أحد وثلاثون يوما. وهو أوّل السنة عند الروم في حساب المسيح عليه‌السلام.

__________________

(١) أنظر السجع في الأنواء ٧٢ ، والأزمنة ٢ / ١٨٣ ، وال مخصص ٩ / ١٦ ، والمزهر ٢ / ٥٢٩ ، وعجائب المخلوقات ٤٨.

(٢) أنظر السجع في الأنواء ٧٤ ـ ٧٥ ، والأزمنة ٢ / ١٨٣ ، والمخصص ٩ / ١٦ والمزهر ٢ / ٥٣٠ ، وعجائب المخلوقات ٤٨. وروايته في هذه المظان تختلف عما هاهنا. وهو بتأليف رواياته فيها :

«إذا طلعت النعائم توسفت التهائم ، من الصقيع الدائم ، وخلص البرد إلى كل نائم ، وتلاقت الرعاء بالنمائم».

 

وفي عشر منه تحلّ الشمس سعد بلع ، ويسقط الذّراع بالغداة ، وتطلع البلدة. قال ساجع العرب :

«إذا طلعت البلدة حمّمت الجعدة ، وأكلت القشدة (١).

الجعدة : نبت. وقوله «حمّمت» أي طلعت فاخضرّ بها وجه الأرض ، من غير أن تطول. يعني أن النبات قد بدا. والقشدة ما يبقى من السمن ، ويخلص عن الزّبد في أسفل القدر. يعني أن الزّبد يكثر عندهم.

وفي ثلاثة عشر منه خروج الليالي السّود.

وفي أربعة عشر منه تحلّ الشمس بأوّل برج الدّلو ، ويثبت الشتاء.

وفي ثلاثة وعشرين منه تحلّ الشمس بسعد السّعود ، وتسقط النّثرة ، ويطلع سعد الذّابح. قال ساجع العرب :

«إذا طلع سعد الذّابح لم تنبح النّوابح ، من الصّقيع القادح ويصبّح السّارح (٢)» يعني أن الراعي لا يبكر بالماشية من شدّة البرد.

وفي ذلك الوقت يطلع سهيل عند غروب الشمس.

وفي ستة وعشرين منه يدخل أمشير ، وهو الشهر السادس من سنة القبط.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : هنا وفي الشرح بعد قليل ، حمت ، وهو غلط.

وأنظر السجع في الأنواء ٧٦ ، والأزمنة ٢ / ١٨٣ ، والمخصص ٩ / ١٦ ، والمزهر ٢ / ٥٣٠ وفيها زيادة : «وقيل للبرد : اهده» ، وعجائب المخلوقات ٤٩.

(٢) أنظر السجع في الأنواء ٧٦ ـ ٧٧ ، والأزمنة ٢ / ١٨٣ ، والمخصص ٩ / ١٦ والمزهر ٢ / ٥٣٠ ، وعجائب المخلوقات ٤٩. وروايته في هذه المظان :

«إذا طلع سعد الذابح حمى أهله النابح ، ونفع أهله الرائح ، وتصبح السارح ، وظهر في الحي الأنافح».

 

الشهر الخامس شباط (١) ، ويقال له فبرايره (٢). وهو ثمانية وعشرون يوما ، وإن كانت تكون كبيسة فهو تسعة وعشرون يوما ، وإن كانت تكون كبيسة فهو تسعة وعشرون يوما.

وفي خمسة منه تحلّ الشمس بسعد الأخبية ، ويسقط الطّرف بالغداة. وعند سقوطه تنقّ الضفادع ، ويزدوج الطير ، وتعشب الأرض ، ويطلع سعد بلع. قال ساجع العرب :

«إذا طلع سعد بلع ، اقتحم الرّبع ، وصيد المرع ، وصار في الأرض لمع (٣). الرّبع من أولاد الإبل : ما نتج من أوّل النّتاج ، (ويريد) باقتحامه أن يقوى في مشيه. والمرع : طائر يكون في الخضرة والعشب. ولمع : أي من النبات والكلأ.

وفي سبعة منه سقوط الجمرة الأولى (٤). وفي أربعة عشر منه سقوط الجمرة الثانية. وفي أحد وعشرين منه سقوط الجمرة الثالثة. فهذا وقع الجمار.

وفي ثلاثة عشر (منه) تحلّ الشمس بأوّل برج الحوت. وحينئذ يمتزج الشتاء بالربيع ، ويكون النهار إحدى عشرة (٥) ساعة ، والليل ثلاث عشرة ساعة ، والشمس صاعدة في الجنوب.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : أشباط ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : فراريه ، وهو غلط.

(٣) أنظر السجع في الأنواء ٧٨ ، والأزمنة ٢ / ١٨٣ ، والمخصص ٥ / ١٦ ، والمزهر ٢ / ٥٣٠ وعجائب المخلوقات ٥٠ ، وفيها زيادة : «ولحق الهبع ، وصيد ...»

والمرع : طائر طويل العنق يملأ كفي الإنسان وأكثر ما يرى في الخضرة والعشب ولمع : أي لمع من العشب.

(٤) سقوط الجمرة يعني ابتداد الدفء وانكسار حدة البرد. والجمار ثلاث كما ذكر المؤلف ، والثالثة منها تسمى الكبرى.

وبين وقوع كل جمرتين أسبوع تام.

وقال البيروني في الآثار الباقية ٢٥٣ ـ ٢٥٤ : «وسميت جمارا لأنها أيام مرسومة بخروج الدفء من بطن الأرض إلى ظاهره على رأي من يعتقد ذلك. فأما من يرى خلافه فمن استبدال الهواء حرا ببرد من جهة جرم الشمس ، إذ جرمها هو السبب الأول للحر ... وكانت العرب تستعملها في شهورها حتى اختلفت ، وتفاوتت أوقاتهم ، فصرفت حينئذ إلى شهور الروم التي هي ثابتة غير زائلة. وقيل إن في الأولى منها يدفأ الإقليم الأول والثاني ، ويدفأ في الثانية الثالث والرابع ، ويدفأ في الثالثة بقية الأقاليم. وقيل أيضا انه يرتفع من الأرض بخارات في الجمرات. تحمى الأرض في الأولى منها ، والماء في الثانية ، والأشجار في الثالثة ..».

وأنظر الأزمنة ١ / ٢٧٦ ، والأنواء ١١٩.

(٥) في الأصل المخطوط : إحدى عشر ، وهو غلط.

 

وفي ثمانية عشر منه تحلّ الشمس بالفرغ (١) الأوّل ، وتسقط الجبهة بالغداة. وعند ذلك ينكسر الشتاء وتجتنى الكمأة ، وتورق الشجر ، وتهبّ الرياح اللّواقح ، ويطلع سعد السعود. قال ساجع العرب :

«إذا طلع سعد السّعود ، نضّر العود ، ولانت الجلود ، وكره في الشّمس القعود» (٢). يريد أن الماء قد جرى في العود فصار ناضرا (٣) غضّا. وتلين الجلود لذهاب يبس الشتاء.

ولسقوط الجبهة نوء مدّته سبع ليال ، وهو أشرف الأنواء. يقولون : ما امتلأ واد من نوء الجبهة (ماء) إلّا (امتلأ) عشبا (٤) ، وما خوت الجبهة ببلد إلّا كان ربيعه ناقصا ومعنى خوت أي أخلف نوءها ، ولم يكن فيه مطر.

ويوم الخامس والعشرين (٥) منه يكون أول الأعجاز (٦).

__________________

(١) في الأصل المخطوط : بالفرع ، وهو تصحيف.

(٢) في الأصل المخطوط : نظر العود ، وهو تصحيف.

وأنظر السجع في الأنواء ٧٩ ، والأزمنة ٢ / ١٨٤ ، والمخصص ٩ / ١٦ ، والمزهر ٢ / ٣٥٠ وعجائب المخلوقات ٥٠.

(٣) في الأصل المخطوط : ناظرا ، وهو تصحيف.

(٤) أنظر هذا القول في الأنواء ٥٩.

(٥) في الأصل المخطوط : الخامس وعشرين ، وهو غلط.

(٦) يريد بالإعجاز أيام العجوز ، وهي سبعة أيام متوالية ، وأولها اليوم السادس والعشرون من شباط على القول المشهور فإذا كانت السنة كبيسة كان أربعة أيام منها من شباط ، وثلاثة أيام من آذار ، وإذا لم تكن كبيسة ، فثلاثة أيام من شباط ، وأربعة من آذار.

ولهذه الأيام عند العرب أسام. فأولها الصن ، وهو شدة البرد. والثاني الصنبر ، وهو الذي يترك الأشياء كالصنبرة ، وهي ما غلط وخثر. والثالث أخوهما الوبر ، لأنه وبر آثار الأشياء أي محاها وأخفاها. والرابع الآمر ، يأمر الناس بالحذر منه. والخامس المؤتمر ، أي أنه يأتمر بأذى الناس ويرى لهم الشر ببرده. والسادس المعلل ، لأنه يعلل الناس بتخفيف البرد. والسابع مطفئ الجمر ، وهو أشدها ، سمي بذلك لأن شدة البرد تطفئ الجمر.

وقد أنشدوا لأبي شبل الأعرابي في أيام العجوز :

كسع الشتاء بسبعة غبر

 

أيام شهلتنا من الشهر

فإذا انقضت أيام شهلتنا

 

بالصّنّ والصّنّبر والوبر

وبآمر وأخيه مؤتمر

 

ومعلّل وبمطفئ الجمر

ذهب الشتاء مولّيا هربا

 

وأتتك واقدة من النّجر

ومن العرب من يعد هذه الأيام سبعة ، ومنهم من يعدها خمسة ، وبرد العجوز ربما بقي عشرة أيام أو أكثر. ولهم في سبب تسميتها بأيام العجوز أخبار وروايات. منها أن عجوزا رأت الحر فطرحت المحشأ عنها ، فماتت بعد ذلك في برد هذه الأيام. وزعم بعض العرب أن أيام العجوز سميت بهذا الإسم لأنها عجز الشتاء أي آخره. وهذا يوافق قول المؤلف «أول الأعجاز» في متن الكتاب. وقيل سميت بذلك لأن العرب جزت الأصواف والأوبار مؤذنة بالصيف. وقالت عجوز منهم : لا أجز حتى تنقضي هذه الأيام ، فإني لا آمنها ، فاشتد البرد فيها ، وأضر بمن جز ، وسلمت العجوز بمالها. ويروى أيضا أن العجوز عجلت بجز صوفها لحاجتها إليه وثقتها بالحر ، فجاء البرد ، وموتت غنمها ، وكانت سبعة ، فماتت كل يوم واحدة ، فمن جعلها سبعة أيام فلهذه العلة. وفيها روايات أخرى أيضا.

وأنظر لذلك كله الآثار الباقية ٢٥٤ ـ ٢٥٦ ، والأنواء ١١٩ ، والأزمنة ١ / ٢٧٣ ـ ٢٧٦ ، واللسان (كسع).

 

وفي ذلك اليوم يدخل برمهات ، وهو الشهر السابع من سنة القبط.

الشهر السادس آذار ، ويقال له مارسه (١) ، وهو أحد وثلاثون يوما.

في ثلاثة أيام منه تحلّ الشمس بالفرغ (٢) الثاني ، ويسقط الخرتان (٣) بالغداة ، ويطلع سعد الأخبية. قال ساجع العرب.

«إذا طلع سعد الأخبية دهنت الأسقية ، ونزلت الأحوية» (٤) الأحوية : بيوت المدر (٥). وتظهر الهوامّ.

وفي خمسة عشر منه تحل الشمس بأوّل برج الحمل. وذلك أوّل فصل الربيع ، وتطلع الشمس من مشرق الاستواء ، ويعتدل الليل والنهار. ثم تصعد الشمس في الشّمال ، وتبتدئ زيادة النهار على الليل.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : مارينه ، وهو تصحيف.

(٢) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٣) هما نجما الزبرة ، زبرة الأسد ، وهما نجمان نيران على إثر الجبهة ، بينهما رقيد سوط. أنظر الأنواء ٥٨ ـ ٥٩ ، والآثار الباقية ٣٤٤ واللسان (خرت) ويسميان الخراتين أيضا كما في الأنواء واللسان.

(٤) في الأصل المخطوط : تركت ، وهو تصحيف.

وأنظر السجع في الأنواء ٨١ ، والأمنة ٢ / ١٨٤ والمخصص ٩ / ١٦ ، والمزهر ٢ / ٥٣٠. وفيها زيادة : «وتجاورت الأبنية» وعجائب المخلوقات ٥٠.

نزل الأحوية : لأن العرب في هذا الوقت يعودون من مشاتيهم في البوادي إلى محاضرهم على مياههم الأصلية يقضون شهور الصيف فيها ليبس الكلأ ونضوب الغدران في البوادي ، وينزلون بيوتهم على محاضرهم وهي من المدر ، أي الطين. والأسقية : جمع سقاء ، وهي قربة الماء ، وإنما تدهن لأنها في الشتاء قد يبست وشننت لتركهم الاستقاء فيها ، فتدهن في هذا الوقت لحاجتهم إليها.

(٥) الأنواء ٨٠ وفي الصحاح واللسان (حوا) أنها من الوبر.

 

وفي ذلك اليوم تحلّ الشمس ببطن الحوت ، وتسقط الصّرفة بالغداة. وعند ذلك ينصرف البرد ، ويطلع الفرغ (١) الأوّل. قال ساجع العرب :

«إذا طلع الفرغ الأوّل كثر الأسفار والتّحوّل»

وفي ثمانية وعشرين يطلع الفرغ (١) الثاني. قال ساجع العرب :

«إذا طلع الفرغ (١) الثاني تحرّكت الأطيار بالأغصان». وفي نصف الليل السّماك. وفي وقت السّحور والأذان الإكليل ، وعند طلوع الفجر الشّولة. وتسقط الصّرفة في خمسة (عشر) منه (٢) ونوؤها ثلاث ليال. وعند سقوطها ينصرف البرد ، ويعقد اللوز والتفاح وتجوز الآفات على الزروع. ولذلك قيل : «إذا دخل آذار أحيا وأبار (٣)» لكثرة الكلأ فيه فإن مبتكر الثمار يعقد ، ويبين ما (٤) فيه من الآفات.

وفي هذا الوقت يصلح قطع العروق ، والحجامة ، وشرب (٥) الدواء ، وختان الصبيان وفطامهم. وتقول العرب «إذا فطم الولد في نوء الصّرفة لم يكد يطلب اللبن (٦)».

وإذا سقطت الصّرفة طلع نظيرها الفرغ (٧) ، وهو فرغ الدّلو المقدّم. وقد ذكر ساجع العرب طلوع الفرغين (٨). جميعا ، فجمعهما في السجع باسم الدّلو ، فقال :

__________________

(١) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٢) ذكر ذلك آنفا قبل السطور.

(٣) ابار : أي أهلك وأفسد.

(٤) في الأصل المخطوط : لما ، وهو غلط.

(٥) في الأصل المخطوط : ويشرب ، وهو تصحيف.

(٦) أنظر الأنواء ٦٠.

(٧) في الأصل المخطوط : الفرع ... فرع ، وهما تصحيف.

وفرغ الدلو في اللغة : مصب الماء منها بين العرقوتين وقد يقال للفرغ الأول عرقوة الدول العليا ، وللفرغ الآخر : عرقوة الدول السفلى (أنشر الأنواء ٨٢).

(٨) في الأصل المخطوط : الفرعين ، وهو تصحيف.

 

«إذا طلع الدّلو هيب الجزو ، وأنسل العفو ، وطلب اللهو الخلو» (١). وقيل : «إذا طلع الدّلو فالرّبيع والبدو ، (وذلك) أول فصل الربيع ، وهو رأس الأزمنة ، وابتداء سنة الشمس. قال الشاعر ، وهو الحسن بن هانئ (٢) :

ألم تر الشّمس حلّت الحملا

 

وقام وزن الزّمان واعتدلا

وغنّت الطّير بعد عجمتها

 

واستوفت الخمر حولها كملا (٣)

يريد حول الشمس ، لأن الشمس كلما حلّت برأس الحمل فقد انقضت لها سنة منذ حلّت برأسه في السنة الماضية.

وفي عشرين منه تحلّ الشمس بالشّرطين ، ويتوسط السماء عند غروب الشمس النّثرة ، وفي نصف الليل الغفر ، وفي وقت السّحور والأذان القلب ، وعند طلوع الفجر النّعائم. وتسقط الهنعة ، ونوؤها ليلة ، وليس بالمشهور. وعند سقوطها يدرك الباقلّاء والنّبق والفاكهة المبكّرة بالعراق. ويطلع الفرغ (٤) الثاني.

وفي اثنين وعشرين منه نوء التجبيس (٥) الأوّل.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : الجرو ، وهو تصحيف.

وانظر السجع في الأنواء ٨٢ ، والأزمنة ٢ / ١٨٤ ، والمخصص ٩ / ١٦ ، والزهر ٢ / ٥٣٠ ، وعجائب المخلوقات ٥١.

(٢) في الأصل المخطوط : الحسن البرهاني ، وهو تصحيف.

والحسن بن هانئ هو أبو نواس الشاعر العباسي المشهور بطريقته وخمرياته (١٩٩) ترجمته في الشعراء ٧٧٠ ـ ٨٠٢ ، والأغاني ١٨ / ٥٢ ، والخزانة ١ / ١٨٦ ، والوفيات ١ / ١٣٥ ، وتاريخ بغداد ٧ / ٤٣٦.

(٣) في الأصل المخطوط : واستوفت الشمس ، والمشهور ما أثبتناه.

والبيتان أول قصيدة خمرية لأبي نواس في ديوانه ٣١٣ ـ ٣١٤. والبيتان في الأنواء ١٩ ، والشعراء ٧٧٣. والبيت الثاني في الحيوان ٧ / ٥٥.

(٤) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٥) ذكر المؤلف في الفقرات التالية ثمانية تجبيسات في مدى ٥٠ يوما ، بفواصل زمنية متساوية قدرها سبعة أيام. والتجبيس الثاني في تسعة وعشرين من آذار. والثالث في خمسة من نيسان. والرابع في اثني عشر منه. والخامس في تسعة عشر منه. والسادس في ستة وعشرين منه. والسابع في ثلاثة من أيار. والثامن في عشرة منه.

والتجبيس من الجبس ، وهو الجص الذي يبنى به. ولم أدر ما المراد به هاهنا ، ولم أجد له معنى آخري المراجع التي نظرت فيها من معجمات اللغة وكتب الأنواء وما شاكلها. إلا أن المؤلف قال في التجبيس الثامن في أيار : «وفي عشرة منه التجبيس الثامن ، وهو السيع». فعلمت أن السيع شرح وتفسير للتجبيس عندهم. والسيع هو ما يسيل على وجه الأرض من ماء المطر والجمد الذائب. فهل يريد المؤلف بالتجبيس هاهنا أمطار الربيع الشديدة التي تسيل منها الوديان ، وتذوب الثلوج على الجبال وتنحدر في الأباطح ، وينشأ عنها هذا الطين الذي يغطي وجه الأرض ، ويقال له الغرين.

 

وفي سبعة وعشرين منه يدخل برمودة وهو الشهر الثامن من شهور القبط. هذا في السنة غير الكبيسة ، فأما في الكبيسة فدخوله في يوم ستة وعشرين منه ،

وفي تسعة وعشرين منه التجبيس الثاني.

الشهر السابع نيسان ، وهو أبريل. وأيامه ثلاثون يوما.

في ثلاثة منه تحلّ الشمس بالبطين ، ويتوسّط السماء عند غروب الشمس الطّرف ، وفي نصف الليل الزّبانى ، وفي وقت السّحور والأذان الشّولة ، وعند طلوع الفجر البلدة. ويسقط السّماك الأعزل ، ونوؤه أربع ليال ، وهو نوء مذكور مشهور ، قلّ ما يخلف (١) ، وبمطره يزكو الزرع ، ويطول الكلأ. ولذلك (قيل) : «مطرة في نيسان خير من ألف سان». والساني (٢) : المستقي. وقال ذو الرّمّة :

ولا زال من نوء السّماك عليكما

 

ونوء الثّريّا وابل متبطّح (٣)

أي واسع. إلّا أن بعضهم ذمّ نوءه ، لأن النّشر يكون عن مطره. والنّشر أن يجفّ النبت وأصوله غضّة بعد ، ثم يصيبه المطر ، فيعود أخضر. يقال : نشر الكلأ ، ينشر نشرا ، إذا عادت إليه الخضرة بعد أن ابتدأ في الجفوف. وهو مضرّ بالماشية ، وإذا رعته الإبل أصابها عنه السّهام (٤) ، وهو داء تموت منه. قال الشاعر في جمل له ناله ذلك :

__________________

(١) في الأصل المخطوط : يخاب ، وهو تصحيف. والصواب في الأنواء ٦٤ ـ ٦٥.

(٢) في الأصل المخطوط : شان والشاني ، وهما تصحيف.

(٣) البيت من قصيدة لذي الرمة مطلعها وهو صلة البيت :

أمنزلتي مي سلام عليكما

 

على التأي ، والنائي يود وينصح

ولا زال ...............

 

.............................

الوابل : المطر الشديد الضخم القطر. والمتبطح : الذي يسيل ويتسع في البطحاء وهي مجرى السيل.

والقصيدة في ديوان ذي الرمة ٧٧ ـ ٩٢ ، والبيت في الأنواء ٢٢ ، ٦٣ ، واللسان والتاج (بطح).

(٤) في الأصل المخطوط : البهام ، وهو تصحيف.

 

 

ليت السّماك ونوؤه لم يخلقا

 

ومشى الأويرق في البلاد سليما (١)

الأويرق : جمله.

وعند سقوط السّماك يبتدأ بحصاد الشعير بالعراق. وحينئذ تطلع السّمكة. قال ساجع العرب :

«إذا طلعت السّمكة ، أمكنت الحركة ، وتعلّقت الحسكة ونصبت الشّبكة ، وطاب الزّمان للنّسكة (٢)».

وقيل : «إذا طلع الحوت خرج النّاس من البيوت» (٣).

الحسكة : شوكة السّعدان ، يريد أن النّبت قد اشتدّ وصلب ، فتعلّقت الحسكة بما لابسها من ثوب أو صوف شاة أو وبر بعير ؛ وكانت قبل هذا ناعمة لا تتعلّق بشيء. ونصبت الشبكة لأن فراخ الطير قد نهضت في هذا الوقت ، وفارقت الأوكار ، وطارت ، فنصبت الشّباك لاصطيادها. والنّسكة طاب لهم الزمن فساحوا في الأرض ، لا يخافون بردا ولا حرا.

وفي خمسة منه التجبيس الثالث.

وفي اثني عشر منه التجبيس الرابع.

__________________

(١) البيت في الأنواء ٦٥.

(٢) أنظر السجع في الأنواء ٨٥ ، والأزمنة ٢ ـ ١٨٤ ، والمخصص ٩ / ١٦ ، والمزهر ٢ / ٥٣٠ ، وعجائب المخلوقات ٥١.

(٣) أنظر هذا السجع في المخصص ٩ / ١٦ ، والأزمنة ٢ / ١٨٥.

 

وفي ستة عشر منه تحلّ الشمس بالثّريّا ، وتتوسط السماء عند غروب الشمس الجبهة ، وفي نصف الليل الإكليل ، وفي وقت السّحور والأذان النّعائم ، وعند طلوع الفجر سعد الذابح ، ويسقط الغفر ، ونوؤه ليلة ، وقيل : ثلاث ليال. قال ابن كناسة ، يقولون قلّ ما يعدم نوء الغفر ضريب (١). وعند سقوطه يدرك اللوز (٢) وتعقد الثمار ، ويحصد الشعير ، ويطلع الشّرطان (٣). قال ساجع العرب :

«إذا طلع الشّرطان استوى الزّمان ، وحضرت الأعطان ، وتهادى الجيران ، وبات الفقير بكل مكان» (٤). قوله «وحضرت الأعطان» أنهم يرجعون عن البوادي إلى أوطانهم.

وفي تسعة (عشر) منه التجبيس الخامس.

وفي العشرين منه تحلّ الشمس بأوّل برج الثّور. وحينئذ يثبت الربيع ، ويكون النهار ثلاث عشرة ساعة ، والليل إحدى عشرة (٥) ساعة ، والشمس صاعدة من الشّمال.

وفي ستة وعشرين منه بشنس ، وهو الشهر التاسع من شهور القبط. هذا في غير الكبيسة. وأمّا في الكبيسة فيكون دخوله يوم خمسة وعشرين.

وفي ستة وعشرين منه أيضا التجبيس السادس.

__________________

(١) يعدم : من أعد مني الشيء ، أي فاتني ولم أجده والضريب : بمعنى الصقيع هاهنا. والمعنى أن الصقيع غالبا ما يصيب الأرض في نوء الغفر. وهذا مشاهد في بلادنا ، بلاد الشام.

(٢) يريد هذا اللوز الذي يؤكل أخضر في بلاد الشام.

(٣) في الأصل المخطوط هنا ، وفي السجع التالي : السرطان ، وهو تصحيف.

(٤) أنظر هذا السجع بروايات مختلفة في الأنواء ١٨ ، والأزمنة ٢ / ١٨٤ ، والمخصص ٩ / ١٦ ، والمزهر ٢ / ٥٢٨ ، وعجائب المخلوقات ٤٢.

(٥) في الأصل المخطوط : إحدى عشر ، وهو غلط.

 

وفي تسعة وعشرين منه تحلّ الشمس بالدّبران ، ويتوسط السماء عند غروب الشمس الخرتان ، وفي نصف الليل القلب ، وفي وقت السّحور والأذان البلدة ، وعند طلوع الفجر سعد بلع ، وتسقط (١) (الزّبانى). ونوؤها ثلاث ليال ؛ وهو أوّل أنواء العقرب وأنواء العقرب أربعة ، أوّلها الزّبانى ، وآخرها نوء الشّولة. وهم يصفون نوء الزّبانى بهبوب البوارح ، وهي الرياح الحارّة الشديدة. وعند سقوطها يفرغ (٢) من حصاد الشعير في البلاد الحارة «إذا طلع البطين برد ماء البئر والعين».

الشهر الثامن أيّار ، وهو مايه. وأيامه أحد وثلاثون يوما.

في ثلاثة منه التجبيس السابع.

وفي عشرة منه التجبيس الثامن ، وهو السّيع.

وفي ثلاثة عشر منه تحلّ الشمس بالهقعة (٣) ، ويتوسّط السماء عند غروب الشمس الصّرفة ، وفي نصف الليل الشّولة ، وفي وقت السّحور والأذان سعد الذابح ، وعند طلوع الفجر سعد السّعود ، ويسقط الإكليل ، ونوؤه أربع ليال ، وتطلع الثّريّا. قال ساجع العرب :

«إذا طلع النّجم غديّة ابتغى الرّاعي شكيّة» (٤) شكيّة تصغير شكوة وهي قربة صغيرة. يريد أنه لا يستغني عن الماء لشدّة الحرّ وقال الساجع أيضا.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : يسقط ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : تفرغ ، وهو غلط.

(٣) في الأصل المخطوط : الهقعة ، بغير باء.

(٤) في الأصل المخطوط : وأسقي بدل ابتغى ، وهو غلط وتصحيف.

وانظر السجع في الأنواء ، والأزمنة ٠٢ / ١٨ ، والمخصص ٩ / ١٥ ، وعجائب المخلوقات ٤٣ ، اللسان (نجم) ،.

والنجم : علم على الثريا سماها العرب به (الأنواء ٢٣ ، واللسان : نجم ، والأزمنة ١ / ٣١٥.

 

إذا طلع النّجم اتّقي اللّحم ، وخيف السّقم ، وجرى السّراب على الأكم» (١). أمر بالحمية وخوّف (٢) السقم وجرى (٣) (السراب) : لأنه (يجري عند طلوعها ، ولا يجري قبل ذلك) (٤).

يقال : إن وقت طلوع الثّريّا أوبأ وقت في السنة (٥) ، وأوبأ من ذلك وقت طلوعها مع الشمس. وقال طبيب العرب : «اضمنوا لي ما بين مغيب الثّريّا إلى طلوعها ، وأضمن لكم سائر السنة» (٦).

فأما قول النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا طلع النّجم لم يبق في الأرض شيء من العاهة إلّا وقع» (٧) فإنما أراد بذلك ، والله أعلم ، عاهة الثمار ، لأنها تطلع وقد أزهى البسر بالحجاز ، وأمنت عليه الآفة وحلّ بيعه.

ولطلوع الثّريا بالغداة بارح ينسب إليها ، وهو أوّل الوغرات (٨). والوغرة (٩) هيجة من الحرّ شديدة. والنجوم التي تنسب إليها الوغرات ستة ، وهي الثّريّا والدّبران والجوزاء والشّعرى والعذرة وسهيل. وهي نجوم البوارح إلا أن بارح الثّريّا وسهيل دون بوارح الباقية.

وعند طلوع الثّريّا يعمّ الحنطة الحصاد ، ويدرك التفاح ، وتغور المياه كلّها ، إلا نيل مصر ، فإنه يمتدّ. فإن كثر النّدى كثر مدّه ، وإن قلّ الندى قلّ مدّه. وإذا قلّ الندى كانت تلك السنة قليلة الماء.

__________________

(١) أنظر السجع في الأنواء ٣١ ، والأزمنة ٢ / ١٨٠ ، والمخصص ٩ / ١٥.

(٢) في الأصل المخطوط : ويخوف ، وهو غلط.

(٣) في الأصل المخطوط : وحوى ، وهو تصحيف.

(٤) هذه الزيادة من الأنواء ٣١.

(٥) أنظر الآثار الباقية ٣٤٢ ، والأنواء ٣٠.

(٦) أنظر الأنواء ٣٠.

(٧) أنظر الحديث والبحث فيه في الأنواء ٣١ ، واللسان (نجم). وفيهما «إلا رفع».

والمراد بهذا الحديث أرض الحجاز ، لأن الحصاد يقع بها في أيار ، وتدرك الثمار ، وحينئذ تباع لأنها قد أمن عليها من العاهة. والمقصود عاهة الثمار كما ذكر المؤلف سابقا (وانظر اللسان : نجم).

(٨) في الأصل المخطوط : الوعرات ، وهو تصحيف.

(٩) سماها أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية ٢٧٣ : الوقدة ؛ وذكر وقدة سهيل ؛ وهي بمعنى الوغرة. أنظر الأنواء ـ ١٢٠ ١١٩.

 

وفي أحد وعشرين منه تحلّ الشمس بأوّل برج التّوأمين وحينئذ يمتزج الربيع بالصيف ، ويكون النهار أربع عشرة ساعة ، والليل عشر ساعات ، والشمس صاعدة في مطالعها الشّمالية.

وفي سبعة وعشرين منه تحلّ الشمس بالهنعة ، وتتوسط السماء عند غروب الشمس العوّا ، وفي نصف الليل النّعائم ، وفي وقت السّحور والأذان سعد بلع ، وعند طلوع الفجر سعد الأخبية ويسقط القلب ، ونوؤه ليلة ، وهو غير محمود ، ويطلع الدّبران ، وعند طلوعه يسودّ العنب (١) ، وتهبّ السّمائم (٢). قال ساجع العرب :

«إذا طلع الدّبران توقّدت الحزّان ، ويبست الغدران ، وكرهت النّيران ، واستعرّت الذّبّان ، ورمت بأنفسها حيث شاءت الصّبيان» (٣). الحزّان (٤) : الأرضون الصلبة ، تتوقّد من حرّ الشمس واستعرّت (٥) الذبان : أي كثر أذاها ومعرّتها.

وفي ستة وعشرين منه إذا كانت السنة غير كبيسة يدخل بونه (٦) ، وهو الشهر العاشر من شهور القبط. وإذا كانت السنة كبيسة كان دخوله يوم خمسة وعشرين منه.

__________________

(١) أي في بلاد العرب.

(٢) السمائم : جمع سموم ، وهي الريح الحارة.

(٣) في الأصل المخطوط هنا وفي الشرح بعد قليل : الحران ؛ وهو تصحيف وفيه أيضا : استعدت الديان ، وهما تصحيف. وانظر السجع في الأنواء ٣٩ ، والأزمنة ٢ / ١٨١ ، والمخصص ٩ / ١٥ ، والمزهر ٢ / ٥٢٨ ، وعجائب المخلوقات ٤٤. ورمت بأنفسها الصبيان : أي لا يبالون حيث رموا بأنفسهم لأنهم لا يخافون بردا ولا مطرا.

(٤) واحدها حزيز.

(٥) في الأصل المخطوط : أسعرت ، وهو تصحيف.

(٦) في الأصل المخطوط : نوه ، والتصحيح من الآثار الباقية ٤٩.

 

الشهر التاسع حزيران ، وهو يونيه ، وأيامه ثلاثون يوما.

في تسعة منه تحلّ الشمس بالدّراع ، ويتوسّط (١) السماء عند غروب الشمس السّماك ، وفي نصف الليل البلدة ، وفي وقت السّحور والأذان سعد السّعود ، وعند طلوع الفجر الأول الفرغ (٢) الأوّل. وتسقط (٣) الشّولة. ونوؤها ثلاث ليال. وتطلع الهقعة قال ساجع العرب :

«إذا طلعت الهقعة تقوّض الناس للقلعة ، ورجعوا عن النّجعة ، وأورست الفقعة ، وأردفتها الهنعة» (٤) التقوّض : أن يقوّضوا بيوتهم وينقضوها للرّحلة والرجوع عن مواضع نجعتهم إلى مياههم. وأورست : اصفرّت. والفقعة : الواحدة من الفقع ، وهو جنس من الكمأة ، رديء أبيض ، فإذا بقي في الأرض ، واشتدّ عليه الحرّ اصفرّ. وأردفتها : جاءت بعدها.

وعند طلوع الهقعة تطلع الجوزاء. وحينئذ تكون حمارّة (٥) القيظ والتهاب الحرّ. قال ساجع العرب :

«إذا طلعت الجوزاء توقّدت المعزاء ، وكنست الظباء ، وعرقت العلباء ، وطاب الخباء» (٦). المعزاء (٧) : الأرض الصلبة ذات الحصى. والعلباء عصبة العنق ،

__________________

(١) في الأصل المخطوط : تتوسط ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٣) في الأصل المخطوط يسقط ، وهو غلط.

(٤) في الأصل المخطوط : القلعة ، وهو غلط

وفيه أيضا هنا وفي الشرع : أورشت ، وهو تصحيف.

وأنظر السجع في الأنواء ٤١ ، والأزمنة ٢ / ١٨١ ، والمخصص ٩ / ١٥ ، والمزهر ٢ / ٥٢٨ ، وعجائب المخلوقات ٤٤.

(٥) في الأصل المخطوط : حارة ، وهو تصحيف.

(٦) في الأصل المخطوط : عرفت العلياء ، وهما تصحيف.

وانظر السجع في الأنواء ٣٤ ، والأزمنة ٢ / ١٨١ ، والمخصص ٩ / ١٥ ، وعجائب المخلوقات ٤٤. وزاد في الأزمنة : «وأوفى على عوده الحرباء ، وكنسبت ...»!

(٧) في الأصل المخطوط : المعز ، وهو غلط.

 

وهو مذكر هاهنا ، قاسه الساجع هاهنا على الغلط والتشبيه بما همزته للتأنيث ، وليست الهمزة في علباء (١) كذلك. وكنست الظباء : دخلت كنسها (٢) ، وهو بيوتها التي تستتر فيها من شدة الحرّ.

وفي اثنين وعشرين منه تحلّ الشمس أوّل برج السّرطان. وحينئذ ينقلب الزمان ، فيعود صيفا محضا. وذلك أول فصل الصيف. وحينئذ ترجع الشمس ، فتنتهض في مطالعها الشّمالية عند ما انتهت إلى أقصاها ؛ وانتهى طول النهار ، وقصر الليل إلى غايتهما ، فكان النهار أربع عشرة ساعة ، وكان الليل تسع ساعات وأربعة أخماس ساعة.

وفي هذا اليوم تحل الشمس بالنّثرة ، ويتوسّط (٣) السماء عند غروب الشمس الغفر ، وفي نصف الليل سعد الذابح ، وفي وقت السّحور والأذان سعد الأخبية. وعند طلوع الفجر الفرغ (٤) الثاني. وتسقط النعائم. ونوؤها ليلة ، مذكور ؛ وتطلع الهنعة. وعند ذلك يدرك البسر والتين والفاكهة.

وفي أربعة وعشرين منه عيد الأنداس للروم ، وهو ميلاد يحيى بن زكريا (٥) عليهما‌السلام.

وفي خمسة وعشرين منه (يدخل) أبيب ، وهو الشهر الحادي عشر من شهور القبط. وإذا كانت السنة كبيسة كان دخوله في أربعة وعشرين منه.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : في علياء ، وهو تصحيف.

(٢) في الأصل المخطوط : كنستها ، وهو تصحيف.

(٣) في الأصل المخطوط : تتوسط ، وهو غلط.

(٤) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٥) ذكر في الآثار الباقية ٢٩٩ أنه ذكران لا عيد ، وقال إنه في الخامس والعشرين من حزيران. وبين اسم الذكران والعيد فرق ، فإن العيد أجل مرتبة ، والذكران أدون ، (الآثار الباقية ٣٠٠).

 

الشهر العاشر تمّوز ، وهو يوليه. وأيامه أحد وثلاثون.

في ستة منه تحلّ الشمس بالطّرف ، وتتوسّط السماء عند غروب الشمس الزّبانى ، وفي نصف الليل سعد بلع ، وفي وقت السّحور والأذان الفرغ (١) الأول ، وعند طلوع الفجر بطن الحوت وتسقط البلدة ، ونوؤها ثلاث ليال ، ويقال ليلة. وتطلع (٢) الذّراع قال ساجع العرب :

«إذا طلع الذّراع حسرت الشّمس القناع ؛ وأشعلت في الأفق الشّعاع ، وترقرق السّراب بكلّ قاع» (٣). قوله «حسرت الشمس القناع» إنما هو مثل ، والمعنى أنها لم تدع غاية في التوقّد والذّكوّ (٤).

وفي تسعة عشر منه تحلّ الشمس بالجبهة ، ويتوسّط (٥) السماء عند غروب الشمس الإكليل ، وفي نصف الليل سعد السّعود وفي وقت السّحور والأذان الفرغ (٦) الثاني ، وعند طلوع الفجر النّطح (٧) ، ويسقط سعد الذابح ، ونوؤه ليلة ، وتطلع النّثرة. قال ساجع العرب :

__________________

(١) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٢) في الأصل المخطوط : يطلع ، وهو غلط.

(٣) في الأصل المخطوط : الشماع بدل الشعاع ، وهو تصحيف.

وانظر السجع في الأنواء ٤٩ ، والأزمنة ٢ / ١٨١ ، والمخصص ٩ / ١٥ ، وعجائب المخلوقات ٤٥ ، والمزهر ٢ / ٥٢٨.

والقاع : البطن المطمئن من الأرض.

(٤) في الأصل المخطوط : للذكو ، وهو غلط.

(٥) في الأصل المخطوط : تتوسط. وهو غلط.

(٦) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٧) النطح : هو أحد نجمي الشرطين من منازل القمر ، وهما يسميان النطح والناطح ، ويقال إنهما قرنا الحمل (أنظر الأنواء ١٧ ، والآثار الباقية ٣٤١).

 

«إذا طلعت النّثرة قنأت البسرة ، وجني النخل بكرة ، وأوت المواشي حجرة ؛ ولم تترك في ذات درّ قطرة» (١). قوله «قنأت البسرة» أي اشتدت حمرتها حتى تشاكه السواد ، والقاني : الشديد الحمرة. وأوت المواشي حجرة : أي ناحية ، يريد أنهم يحلبونها في هذا الوقت ، فلا يتركون في ضروعها لبنا ، لتنال أولادها من المرعى ، وتسلو عن الأمّهات. لأنهم قد همّوا بفصالها.

وفي هذا الوقت تطلع الشّعرى العبور. وعند ذلك تنتهي شدة الحرّ. وكانت العرب تقول : «إذا رأيت الشّعريين يحوزهما النهار ، فهناك لا يجد الحرّ مزيدا» (٢). وحوز النهار لهما : أن يطلعا بين يدي الشمس ، بعد طلوع الفجر. فتسوقهما الشمس حتى يغربا قبلها ، فلا يكون لليل فيهما حظّ. وذلك حين ينتهي الحرة إلى غايته.

ولطلوع الشّعرى بارح ينسب إليها. وهو من أشد البوارح والوغرات (٣). يقال : إن الرجل يعطش بوغرة الشّعرى بين الحوض والبئر. وقال ساجع العرب :

«إذا طلعت الشّعرى نشف الثّرى ، وأجن الصّرى ، وجعل صاحب النّخل يرى (٤)». الصّرى : الماء المجتمع في الغدران والمناقع وأجن : تغيّر لشدّة الحرّ. وجعل صاحب النخل يرى : أي يتبين ثمرة نخله ، لأنها حينئذ تكبر (٥).

__________________

(١) أنظر السجع في الأنواء ١٧ ، والأزمنة ١ / ١٨١ ـ ١٨٢ ، والمخصص ٩ / ١٥ وعجائب المخلوقات ٤٥ ، والمزهر ٢ / ٥٢٨. وجني النخل بكرة : أي يكون حينئذ أول وقت صرام النخل ، فيجنون ثمرة بكرة لأنه في ذلك الوقت بارد ببرد الليل.

(٢) أنظر هذا القول في الأنواء ٥٣ ، وزاد في أوله : «إذا رأيت الشعريين يحوزهما الليل فهناك لا يجد القر مزيدا ....»

(٣) أنظر معنى الوغرات ص ١٥٠.

(٤) في الأصل المخطوط : نسف ... النحل ، وهما تصحيف.

وانظر السجع في الأنواء ٥٢ ، والمخصص ٩ / ١٥ ، والأزمنة ٢ / ١٨١ ، والمزهر ٢ / ٥٢٩.

(٥) أي يكبر ثمر النخل فيراه صاحبه

 

وفي ثلاثة وعشرين منه تحلّ الشمس بأوّل برج الأسد. وحينئذ يثبت الصيف ، ويكون النهار أربع عشرة ساعة ، والليل عشر ساعات ، والشمس هابطة في مطالعها الشّمالية.

وفي خمسة وعشرين منه ، إذا كانت السنة سالمة ، يدخل مسرى ، وهو آخر شهور القبط. وإذا كانت السنة كبيسة كان دخوله في أربعة وعشرين منه.

وفي آخر تمّوز تطلع العذرة. وعند ذلك يقطف ويؤكل الرّطب بالعراق ، ويبلغ النخل بالحجاز ، ويصرم بعمان. قال ساجع العرب :

«إذا طلعت العذرة لم يبق بعمان (بسرة) إلا رطبة أو تمرة (١)»

الشهر الحادي عشر آب ، وهو أوسه. وأيامه أحد وثلاثون يوما. ويقال : إنما سمّي هذا الشهر آب لكثرة تحدّر العرق فيه من الأبدان. لأن آب بلغة العجم الماء.

وفي يومين منه تحلّ الشمس بالخرتين (٢) ، ويتوسط (٣) السماء عند غروب الشمس القلب ، وفي الليل سعد الأخبية ، وفي وقت السّحور والأذان بطن الحوت ،

__________________

(١) في الأصل المخطوط : ثمر بدل تمرة ، وهو تصحيف.

وانظر السجع في الأنواء ٤٨ ، وهو في الأزمنة ٢ / ١٨٢ ، والمخصص ٩ / ١٥ ، ١٨ والمزهر ٢ / ٥٢٨ ، برواية تختلف عما هنا ، وعما في الأنواء.

عمان شديدة الحر ، فإذا أبسر النخل في البصرة صرم بعمان (الأنواء ٤٨).

(٢) في الأصل المخطوط : بالحرتان ، وهو تصحيف وغلط.

(٣) في الأصل المخطوط : تتوسط ، وهو غلط.

 

وعند طلوع الفجر البطين ، ويسقط سعد بلع ، ونوؤه ليلة ، ويطلع الطّرف. قال ساجع العرب :

«إذا طلعت الطّرفة بكّرت الخرفة ، وكثرت الطّرفة ، وهانت للضّيف الكلفة» (١). قوله الطّرفة : فأنّث لأنه بمعنى العين ، والعين مؤنثة. والخرفة (٢) : ما لقط من الرّطب ، والخرف (٣) : اجتناء ثمر النخيل ، يريد أن الرّطب يبكر في هذا الوقت. وتهون (٤) للضيف الكلفة : (لكثرة) الثمر في هذا الوقت ، وكثرة اللبن لأنهم قد عزلوا الأولاد عن أمهاتها ليفصلوها ، وانفردوا بألبانها.

وفي تسعة منه يطلع سهيل بالحجاز. وحينئذ تفصل أولاد الإبل عن أمهاتها. وكانوا إذا طلع سهيل أخذ أحدهم بأذن الفصيل واستقبل به سهيلا يريه إياه ، ثم حلف أن لا يرضع بعد يومه ذلك قطرة ، ثم صرّ أخلاف أمه ، وفصله (٥). قال ساجع العرب :

«إذا طلع سهيل ، برد اللّيل ، وخيف السّيل ، وكان لأمّ الحوار الويل» (٦).

وفي خمسة عشر منه تحلّ الشمس بالصّرفة ، وتتوسط السماء عند غروب الشمس الشّولة ، وفي نصف الليل الفرغ (٧) الأول ، وفي وقت السّحور والأذان

__________________

(١) أنظر السجع في الأنواء ٥٥ ـ ٥٦ ، والأزمنة ٢ / ١٨٢ ، والمخصص ٩ / ١٥ ، وعجائب المخلوقات ٤٥ ، والمزهر ٢ / ٥٢٩. والطرفة : ما يطرف به الإنسان صاحبه ، كأنه يريد أنهم يتهادون في هذا الوقت ؛ ويطرف بعضهم بعضا بأطايب الثمر (عجائب المخلوقات ٤٥).

(٢) في الأصل المخطوط : الحرفة ، وهو تصحيف

(٣) في الأصل المخطوط : المخرف ، وهو تصحيف وغلط.

(٤) في الأصل المخطوط : يهون ، وهو غلط.

(٥) أنظر الأزمنة ٢ / ١٨٥ ، والأنواء ١٥٥.

(٦) أنظر السجع في الأنواء ١٥٤ ـ ١٥٥ ، وهو في الأزمنة ٢ / ١٨٢ ، والمخصص ٩ / ١٥ بروايتين مختلفتين فيهما.

والحوار : ولد الناقة ؛ ولها الويل : أي يفصل عنها ولدها فتحن إليه ، وتتوله لفراقه.

(٧) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

 

النطح ، وعند طلوع الفجر الثّريّا ، ويسقط سعد السّعود ، ونوؤه ليلة ، وتطلع الجبهة. قال ساجع العرب :

«وإذا طلعت الجبهة تحانّت الولهة ، وتنازت السّفهة ، وقلّت في الأرض الرّفهة» (١). الولهة : النّوق تحنّ إلى أولادها وتتولّه عليها ، لأنها قد فصلت عنها. والسّفهة : تنازوا (٢) أي تواثبوا بطرا ، لأنهم في هذا الوقت في خصب من اللبن لما فصلت الأولاد عن أمهاتها. والرّفهة (٣) : التبن الذي يبقى في المدارس بعد إخراج الحبّ منه ؛ يريد أنه لم يبق في موضع شيء من الحب يحصد في هذا الوقت.

وعند طلوع الجبهة تنكسر السّمائم ، ويسقط الطّلّ (٤) ، وتردّ الأرض الماء (٥) ، وتتباعد الإبل في المرعى عن الماء ، وكانت قبل ذلك إنما ترعى حول الماء وقربه ، لشدّة الحر ، وقصر الأظماء (٦).

وفي خمسة عشر منه أيضا سنسمارية (٧) للروم. وفيه نوء عظيم.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : تبارت ، وهو تصحيف يؤكده قوله في الشرح : أي تواثبوا بطرا».

وفيه أيضا : الزمهة ، وهو تصحيف.

وانظر السجع في الأنواء ٥٧ ، والأزمنة ٢ / ١٨٢ ، والمخصص ٩ / ١٥ ، والمزهر ٢ / ٥٢٩ ، واللسان (رقه).

(٢) في الأصل المخطوط : تباروا ، وهو تصحيف يؤكده قوله في الشرح «أي تواثبوا بطرا».

(٣) في الأصل المخطوط : الزهمة ، وهو تصحيف.

(٤) في الأصل المخطوط ، الظل ، وهو تصحيف.

والطل : بمعنى الندى هاهنا.

(٥) أي لا تنشفه سريعا.

(٦) في الأصل المخطوط : الأطمار ، وهو تصحيف.

والأظماء : جمع ظمء ، وهو ما بين الشربين في ورد الإبل ، أي حبس الإبل عن الماء إلى غاية الورد. والأظماء تقصر في الصيف لشدة الحر ، وتطول في غيره لبرد الزمان. وأقصر الأظماء الغب ، وذلك أن ترد الإبل يوما ، وتصدر فتكون في المرعى يوما ، وترد اليوم الثالث ، فإذا شربت يوما ، وغبت يومين فذلك الربع ، ثم الخمس ثم السدس ثم السبع ثم الثمن ثم التسع ثم العشر. وليس فوق العشر ظمء يسمى ، إلا أنه يقال : رعت عشرا وغبا ، وعشرا وربعا ، وكذلك إلى العشرين (أنظر اللسان : ظمأ ، وكتاب الإبل للأصمعي ١٢٨ ـ ١٣٠).

(٧) ذا في الأصل المخطوط. ونرى أن معناه مارية المقدسة أو المطهرة. ومارية هي مريم في العربية. وقد ذكر أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية ٣٠٠ أن في خمسة عشر من آب عيد وفاة مريم. فهل يريد المؤلف هذا العيد هاهنا.

 

وفي عشرين منه يطلع سهيل بمصر

وفي ثلاثة وعشرين منه تحلّ الشمس بأوّل برج السّنبلة وحينئذ يمتزج الصيف بالخريف ، ويكون النهار ثلاث عشرة ساعة والليل أحد عشرة ساعة ، والشمس هابطة في مطالعها الشّمالية.

وفي أربعة وعشرين منه يدخل نسيء القبط (١). وإذا كانت السنة كبيسة دخل النّسيء يوم ثلاثة وعشرين ، وهو خمسة أيام في غير الكبيسة ، وستة في الكبيسة. فإذا انقضت أيام النّسيء دخل توت الذي هو أوّل شهورهم. ودخوله أبدا يوم تسعة وعشرين من أوسه هذا.

وفي ثمانية وعشرين يطلع سهيل بالعراق. وفيه أيضا تحلّ الشمس بالعوّا. ويتوسّط السماء عند غروب الشمس النّعائم ، وفي نصف الليل الفرغ (٢) الثاني ، وفي وقت السّحور والأذان البطين. وعند طلوع الفجر الدّبران ، ويسقط سعد الأخبية ، ونوؤه ليلة ، ويطلع الخرتان. وفي ذلك قيل : «إذا طلع الخرتان جني البسر بكلّ مكان. وطاب الزّمان (٣).

الشهر الثاني عشر أيلول ، وهو (شتنبر) ، وأيامه ثلاثون يوما في ستة منه يطلع سهيل بالمغرب.

__________________

(١) ذكر المؤلف نسيء القبط آنفا في (باب معرفة الأصل في حساب الأزمنة) في ص ٣٩ من هذا الكتاب. وانظر حاشيتنا رقم ٤ هناك.

(٢) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٣) أنظر هذا السجع في الأزمنة ٢ / ١٨٥ ، والمخصص ٩ / ١٦.

 

وفي عشرة منه تحلّ الشمس بالسّماك ، ويتوسّط السماء عند غروب الشمس البلدة ، وفي نصف الليل بطن الحوت ، وفي وقت السّحور والأذان الثّريّا ، وعند طلوع الفجر الهقعة ، ويسقط الفرغ (١) الأوّل ، ونوؤه ثلاث ليال ، وهو نوء محمود مذكور. وعند سقوطه يبرد الليل ، ويكون في النهار شيء من حرّ. وتختلف الرياح ، ويزيد النيل ، وتقطع العروق وتشرب الأدوية ويجدّ (٢) النخل بالحجاز وبكل غور ، ويشتار العسل.

وما كان في هذا الوقت من مطر فالعرب تسمّيه الخريف.

وإذا سقط الفرغ (٣) الأوّل طلعت الصّرفة. وعند ذلك ينصرف الحرّ. قال ساجع العرب :

«إذا طلعت الصّرفة ، احتال كلّ ذي حرفة ، وجفر كلّ ذي نطفة ، وامتيز عن المياه زلفة» (٤). يريد أن الشتاء قد أقبل فكل ذي حرفة يضطرب ويحتال فيما يعدّه للشتاء. وكانت العرب تقول : «من غلا دماغه في الصيف غلت قدره في الشتاء» (٥). وقوله «وجفر كل ذي نطفة» : أي انقطعت فحول الإبل عن الضّراب في هذا الوقت (٦) وقوله «وامتيز عن المياه زلفة» يريد أنهم ابتدءوا بالتّبدّي ، فبعدوا عن المياه قليلا (٧).

__________________

(١) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٢) في الأصل المخطوط : تجد.

وجداد النخل ، جذاذع ، بالدال والذال : صرامه ، أي جني ثمره.

(٣) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٤) في الأصل المخطوط : حرف حرفة ، ولا لزوم لكلمة حرف.

وفيه أيضا هنا وفي الشرح : وحرف ، وهو تصحيف.

وفيه أيضا هنا وفي الشرح : وامتير ، وهو تصحيف.

وانظر السجع في الأنواء ٦٠ ، والأزمنة ٢ / ١٨٢ ، والمخصص ٩ / ١٥ ، وعجائب المخلوقات ٤٦ ، والمزهر ٢ / ٥٢٩.

(٥) أنظر الأنواء ٦٠.

(٦) وذلك لأن المخاض ، وهي الحوامل من الإبل ، قد ظهر بها الحمل في هذا الوقت ، وعظمت بطونها ، فليس يدنو منها الفحل (الأنواء ٦٠).

(٧) والامتياز : التنحي (الأزمنة ٢ / ١٨٦ ، والمخصص ٩ / ١٨ ، والزلفة أدنى منزلة التبدي المخصص ٩ / ١٨).

 

وفي أربعة عشر منه عيد الصليب للروم (١). وفيه نوء مذكور.

وفي ثلاثة وعشرين منه تحلّ الشمس بأول برج الميزان. وحينئذ ينقلب الزمان. فيعود خريفا محضا. وتطلع الشمس من مشرق الاستواء ، ويعتدل الليل والنهار ، فيكون في كل واحد منهما اثنتا عشرة ساعة. وذلك أوّل فصل الخريف.

ثم تهبط الشمس في مطالعها الجنوبية ، ويزيد الليل على النهار. وفي هذا اليوم أيضا تحلّ الشمس بالغفر ، ويتوسّط السماء عند غروب الشمس سعد الذابح ، وفي نصف الليل النّطح ، وفي وقت السّحور والأذان الدّبران ، وعند طلوع الفجر الهنعة ، ويسقط الفرغ (٢) الثاني ، ونوؤه أربع ليال ، وهو نوء محمود مذكور كذلك نوء الفرغ (٢) الأوّل. قال الشاعر :

يا أرضنا ، هذا أوان نحيين (٣)

 

قد طال ما حرمت نوء الفرغين

ونوء الفرغ (٢) الثاني أوّل أنواء الوسميّ ، وهي خمسة ، أوّلها نوء الفرغ (٢) الثاني ، وآخرها نوء الثّريّا. وإنّما سميّت (٤) هذه الأنواء وسميّا لأنه يسم الأرض بالنبات.

وعند سقوط الفرغ (٢) الثاني يقطف الرمّان والسفرجل ، وينتهي غور الماء ، وتهيج الظباء ، ويطلع العوا ، ويطلع بطلوعها السّماك الرامح. قال ساجع العرب :

__________________

(١) وهو عيد العثور على الصليب الذي صلب عليه المسيح عليه‌السلام في عقيدة النصارى ، وانتزاعه من أيدي اليهود ، وكان مدفونا ببيت المقدس (الآثار الباقية ٣٠١).

وقال البيروني في الآثار الباقية أيضا ٢٩٦ : «وقد ذكر محصولهم أنه ظهر في زمان قسطنطين المظفر شبه صليب من نار أو نور على السماء. فقيل للملك قسطنطين : اجعل هذه العلامة رايتك ، فستغلب بذلك الملوك الذي احتوشوك. ففعل وغلب ، وتنصر لذلك. وأنفد والدته هيلاني إلى بيت المقدس لطلب خشية الصليب فوحدتها مع صليبي اللصين المصلوبين مع المسيح ، بزعمهم. فاشتبه أمرها عليهم ، ولم يهتدوا إليها دون أن وضعت كل واحدة منها على ميت. فلما مسته خشبة صليب عيسى عاش ، فعلمت أنها هي».

وأنظر أيضا القانون المسعودي ٢٥٣.

(٢) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٣) في الأصل المخطوط : لحيين ، وهو تصحيف.

والشطران في الأنواء ٨٢ منسوبين إلى الكميت ، والأزمنة ١ / ٣١٤.

(٤) في الأصل المخطوط : سمي ، وهو غلط

 

«إذا طلعت العوّاء ضرب الخباء ، وطاب الهواء ، وكره العراء ، وشنّن السّقاء» (١). قوله «وضرب الخباء» يريد أن الليل حينئذ قد برد ، فضرب الخباء للبيات فيه. و «كره العراء» : وهو الصحراء ، كره النوم فيها لبردها. و «شنّن السقاء» : أي برد ماؤه. والماء الشانّ : البارد. وقيل : شنّن السقاء : أي تشنّن وخلق. وكلّ سقاء خلق فهو شنّ. يريد أنهم قد أقلّوا استعمال الماء وإيراد الإبل. فشنّنت (٢) الأسقية ، وتشنّنت.

وفي ثمانية وعشرين منه يدخل بابه وهو الشهر الثاني عشر من شهور القبط.

ثم ينقضي أيلول. ويدخل تشرين الأوّل. ويعود الأمر إلى ما تقدّم الوصف له في الأشهر الماضية. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) أنظر السجع في الأنواء ٦١ ، والأزمنة ٢ / ١٨٢ ، والمخصص ٩ / ١٦ ، والمزهر ٢ / ٥٢٩.

(٢) في الأصل المخطوط : فشنت ، وهو غلط.

 

تمّ بحمد الله تعالى. فسبحان من بر الأمر من السماء إلى الأرض

علّقه لنفسه ولمن شاء الله تعالى بعده أضعف عباده

وأحوجهم إلى عفوه أحمد بن عبد الرحمن بن أبي الحسن

التّيزي ، ثم الحلبي الشافعي ، حامدا لله تعالى

ومصليا على نبيه محمد وآله وصحبه

ومسلما تسليما كثيرا

غفر الله خطاياه ، ولوالديه ، ولمن نظر فيه ، ودعا له ، ولجميع المسلمين. وذلك في سلخ رجب الفرد من سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بمسجد لله تعالى عرف بالزّجاجين بحلب المحروسة ، رحم الله منشئه. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلّم حسبنا الله ، ونعم الوكيل.