التعديلات الدستورية فى البحرين....قراءة أولية

Submitted by dody on أربعاء, 01/18/2012 - 01:37

التعديلات الدستورية فى البحرين ... قراءة أولية
---
احمد ابراهيم
باحث سياسى
ليست مصادفة أن تتوج الجهود المضنية التى تبذلها الحكومة البحرينية لمعالجة تداعيات الازمة المجتمعية التى شهدتها المملكة فى بدايات العام المنصرم وتحديدا فى فبراير ومارس 2011، باقتراحات لتعديلات الدستور البحرينى استجابة لما ورد فى مرئيات الحوار الوطنى التى حظيت بتوافق مجتمعى انطلق من حرص جميع قطاعاته على المضى قدما فى استكمال بناء المملكة البحرينية على اسس وطنية تستمد دعائمها من الاجماع التاريخى على ميثاق العمل الوطنى.
فقد جاءت كلمة العاهل البحرينى الملك حمد بن عيسى آل خليفه لتبدأ بفتح صفحة جديدة تنقل المملكة الى مرحلة جديدة من الاصلاح الشامل والنهضة المجتمعية تفتح بمقتضاها الباب أمام آفاق رحبة من ديمقراطية تستهدف استقرار الوطن ووحدة ابناءه وتحقيق طموحاتهم فى حاضر مزهر ومستقبل مشرق.
وتكشف القراءة الاولية لما تضمنته التعديلات عن ادراك لاهمية إعادة تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بما يحقق مزيداً من التوازن بينهما، وتمثيل الإرادة الشعبية في برنامج عمل الحكوم ، وهو ما برز جليا فى نصها على تعزيز دور السلطة التشريعية وإعطاء دور أكبر لمجلس النواب، وتنظيم استجوابات الوزراء وطرح الموضوعات العامة للمناقشة في مجلس النواب وشروط الترشيح لعضوية مجلس النواب وغيرها. وهو ما كان موضع ترحيب على المستويات كافة محليا من جانب مختلف قوى المجتمع البحرينى وطوائفه وابناءه الواعين بمقتضيات الواقع والتزاماته والقادرين على الربط بين واقعية مجتمعهم وطموحات احلامهم وتصوراتهم، واقليميا من جانب الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني الذى اعتبر ان:" إن هذه الخطوة التاريخية تعكس حكمة جلالة الملك ورؤيته الثاقبة وحرصه الدائم على أن تمضي مسيرة التقدم والإصلاح في مملكة البحرين قدماً على طريق التطوير والتحديث، تحقيقاً لتطلعات شعب البحرين الوفي"، وعربيا من جانب الامين العام للجامعة العربية د.نبيل العربى الذى أكد على انها :" تنم عن تطور حضاري وفكري وقانوني وسياسي كبير في البحرين".

ولكن تظل ثمة ثلاثة حقائق يجب أن يقر بهم الجميع:
أولا- أن هذه التعديلات تأتى تتويجا لخطوات ايجابية اتخذتها الحكومة البحرينية بدءا من تشكيل اللجنة الدولية لتقصى الحقائق البحرينية والتى خلصت الى تقرير حظى بالاشادة والتقدير على كافة المستويات الدولية والاقليمية والمحلية وكان موضع ترحيب من جانب العاهل البحرينى وسارعت الحكومة البحرينية باتخاذ الخطوات الجادة لوضع توصياته موضع التطبيق، يضاف الى ذلك بدء جلسات الحوار الوطنى التى شاركت فيها مختلف الفئات الوطنية والمجتمعية وتوصلها الى مرئيات كانت تلك التعديلات احدى ثمراتها الوطنية، هذا بالاضافة الى المقترحات والخطوات سواء على المستوى المحلي او العربى التى ما زالت فى طور التنفيذ كالدعوة إلى انشاء مؤسسة مستقلة وطنية لحقوق الانسان فى المملكة او الدعوة الى انشاء محكمة عربية لحقوق الانسان، تأكيدا ودعما ليس فقط لحقوق المواطن البحرينى وإنما لحماية حقوق المواطن العربى.
ثانيا- ان الديمقراطية – كما أكد عليها العاهل البحرينى - ليست مجرد نصوص وأحكام دستورية وتشريعية، فالديمقراطية ثقافة وممارسة، والتزام بحكم القانون، واحترام للمبادئ الدولية لحقوق الإنسان، مقترنة بعمل سياسي وطني جاد يمثل كافة أطياف المجتمع دون إقصاء أو محاصصة.
ثالثا- أن ضمان نجاح هذه الخطوات الجادة والوصول الى المستهدف منها يتطلب أن يدرك يتحمل الجميع مسئولياته الوطنية فى تلك اللحظة الحاسمة فى تاريخ الامة، فاذا كان صحيحا ان السلطة التشريعية هى التى ستنهض بمسئولياتها الدستورية كي تخرج هذه التعديلات محققة لما توخاه حوار التوافق الوطني، إلا انه من الصحيح أيضا أن المجتمع بمختلف فئاته وقطاعاته وطوائفه يتحمل مسئولية المشاركة الجادة فى الاسهام الحقيقى باراء ومقترحات ورؤى تعزز من تحقيق الاهداف الوطنية المبتغاه، وهو ما يعنى وبشكل واضح ان الموقف الذى عبرت عنه بعض قوى المعارضة برفض هذه التعديلات او التقليل من شأن تلك الخطوة، تصبح مواقف اقرب الى الهروب من المسئولية وتنصل من تحمل الامانة الوطنية، فيمكنها المشاركة الجادة فى ممارسة حقها المجتمعى فى ضبط الصياغات والارتقاء بالنصوص لتأتى معبرة عن التوافق الوطنى.
خلاصة القول ان التعديلات الدستورية تمثل قراءة ملكية صحيحة ومبكرة لمستقبل البلاد، وادراك واعى من جانب الحكومة البحرينية للقادم من الايام، وهو ما يجعل التخاذل فى التفاعل معها تخاذلا وطنيا وهروبا من تحمل المسئولية يسجله التاريخ ويفضحه المستقبل ويدينه الوطن باسره.