الزكاة

الزكاة

(1) تعريفها: الزكاة اسم لما يخرجه الانسان من حق الله تعالى إلى الفقراء.
وسميت زكاة لما يكون فيها من رجاء البركة، وتزكية النفس وتنميتها بالخيرات. فإنها مأخوذة من الزكاة، وهو النماء والطهارة والبركة.
قال الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (1) .
وهي أحد أركان الاسلام الخمسة، وقرنت بالصلاة في اثنتين وثمانين آية. وقد فرضها الله تعالى بكتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع أمته.
1 - روى الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن (2) قال: (إنك تأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله عز وجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم (3) أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) .
2 - وروى الطبراني في الاوسط والصغير، عن علي كرم الله وجهه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا

(1) سورة التوبة.
(2) أي واليا وقاضيا سنة عشر من الهجرة.
(3) (كرائم) نفائس.

إلا بما يصنع أغنياؤهم (1) ، ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا، ويعذبهم عذابا أليما) قال الطبراني: تفرد به ثابت بن محمد الزاهد.
قال الحافظ: وثابت: ثقة صدوق.
روى عنه البخاري وغيره، وبقية رواته لا بأس بهم.
وكانت فريضة الزكاة بمكة في أول الاسلام مطلقة، لم يحدد فيها المال الذي تجب فيه، ولا مقدار ما ينفق منه، وإنما ترك ذلك لشعور المسلمين وكرمهم.
وفي السنة الثانية من الهجرة - على المشهور - فرض مقدارها من كل نوع من أنواع المال، وبينت بيانا مفصلا.
1 - قال الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) .
أي خذ - أيها الرسول - من أموال المؤمنين صدقة معينة كالزكاة المفروضة، أو غير معينة، وهي التطوع (تطهرهم وتزكيهم بها) أي تطهرهم بها من دنس البخل والطمع، والدناءة والقسوة على الفقراء والبائسين، وما يتصل بذلك من الرذائل، وتزكي أنفسهم بها.
أي تنميها وترفعها بالخيرات والبركات الخلقية والعملية، حتى تكون بها أهلا للسعادة الدنيوية والاخروية.
2 - وقال الله تعالى: (إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين، كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وبالاسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) .
جعل الله أخص صفات الابرار الاحسان، وأن مظهر إحسانهم يتجلى في القيام من الليل، والاستغفار في السحر تعبدا لله وتقربا إليه.
كما يتجلى في إعطاء الفقير حقه، رحمة وحنوا عليه.
3 - وقال الله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض

(1) أي إن الجهد والمشقة من الجوع والعري لا يصيب الفقراء إلا ببخل الاغنياء.

يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله) .
أي إن الجماعة التي يباركها الله ويشملها برحمته، هي الجماعة التي تؤمن بالله، ويتولى بعضها بعضا بالنصر والحب، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتصل ما بينها وبين الله بالصلاة، وتقوي صلاتها ببعضها، بإيتاء الزكاة.
4 - وقال الله تعالى: (الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور) .
جعل الله إيتاء الزكاة غاية من غايات التمكين في الارض.
1 - وروى الترمذي عن أبي كبشة الانماري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا، ولا فتح عبد باب مسألة، إلا فتح الله عليه باب فقر) .
2 - وروى أحمد والترمذي، وصححه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل يقبل الصدقات ويأخذها بيمينه فيربيها لاحدكم كما يربي أحدكم مهرة أو فلوه، أو فصيله (1) حتى أن اللقمة لتصير مثل جبل أحد) .
قال وكيع: وتصديق ذلك في كتاب الله قوله: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) . (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) .
3 - وروى أحمد - بسند صحيح - عن أنس رضي الله عنه قال: أتى رجل من تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إني ذو مال كثير، وذو أهل ومال وحاضرة (2) .
فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك، وتصل أقرباءك وتعرف حق المسكين والجار والسائل) .

(1) (المهر والفلو والفصيل) : ولد الفرس.
(2) الجماعة تنزل عنده للضيافة.

4 - وروى أيضا عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث أحلف عليهن، لا يجعل الله من له سهم في الاسلام كمن لا سهم له، وأسهم الاسلام ثلاثة: الصلاة، والصوم، والزكاة، ولا يتولى الله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله معهم.
والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا آثم لا يستر الله عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة) .
5 - وروى الطبراني في الاوسط، عن جابر رضي الله عنه قال، قال رجل يا رسول الله: أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدى زكاة ماله ذهب عنه شره) .
6 - وروى البخاري، ومسلم عن جابر بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.
(3) الترهيب من منعها:
1 - قال الله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) .
2 - وقال: (لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون (1) ما بخلوا به يوم القيامة) .
1 - وروى أحمد والشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب كنز (2) لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه وجبهته حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله،

(1) يجعل ما بخلوا به من مال طوقا من نار في أعناقهم.
(2) (الكنز) مال وجبت فيه الزكاة فلم تؤد، وأما ما أخرجت زكاته فليس بكنز مهما كثر.

إما إلى الجنة، وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح (1) لها بقاع قرقر (2) كأوفر (3) ما كانت، تسنن (4) عليه، كلما مضى (5) عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطؤه بأظلافها (6) ، وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء (7) ولا جلحاء (8) ، كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار.) قالوا: فالخيل يا رسول الله؟ قال: (الخيل في نواصيها) ، أو قال: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الخيل ثلاثة: هي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر، فأما التي هي له أجر فالرجل يتخذها في سبيل الله ويعدها له فلا تغيب شيئا في بطونها إلا كتب الله له أجرا، ولو رعاها في مرج (9) فما أكلت من شئ إلا كتب الله له بها أجرا، ولو سقاها من نهر كان له بكل قطرة تغيبها في بطونها أجر، حتى ذكر الاجر في أبوالها وأرواثها ولو استنت شرفا (10) أو شرفين كتب له بكل خطوة يخطوها أجر. وأما التي هي له ستر، فالرجل يتخذها تكرما وتجملا، لا ينسى حتى ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها. وأما التي هي عليه وزر، فالذي يتخذها أشرا (11) وبطرا (12) وبذخا (13) ، ورياء الناس فذلك الذي عليه الوزر) قالوا: فالخمر يا رسول الله؟ قال: (ما أنزل الله علي فيها شيئا إلا هذه الاية الجامعة (14) الفاذة (15) : (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) .)

(1) (بطح) أي بسط ومد.
(2) (القرقر) المستوي الواسع من الارض.
(3) كأوفر الخ) أي كأعظم ما كانت.
(4) (تستن) أي تجري.
(5) (مضى) أي مر.
(6) الظلف للغنم كالحافر للفرس.
(7) (عقصاء) أي ملتوية القرنين.
(8) (جلحاء) أي التي لا قرن لها.
(9) (المرج) أي المرعى.
(10) (الشرف) أي العالي من الارض.
(11) (الاشر) أي البطر.
(12) (البطر) شدة المرح.
(13) (وبذخا) أي تكبرا.
(14) (الجامعة) أي المتناولة لكل خير وبر.
(15) (الفاذة) أي القليلة النظير.

2 - وروى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له (1) يوم القيامة شجاعا أقرع (2) له زبيبتان (3) يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا كنزك، أنا مالك) .
ثم تلا هذه الاية: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الاية.)
3 - وروى ابن ماجه، والبزار، والبيهقي - واللفظ له - عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المهاجرين خصال خمس - إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن -: لم تظهر الفاحشة (4) في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الاوجاع (5) التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين (6) وشدة المؤنة وجور السلطان. ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر (7) من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، إلا جعل بأسهم (8) بينهم) .
4 - وروى الشيخان عن الاحنف بن قيس قال: (جلست إلى ملا من قريش فجاء رجل (9) خشن الشعر والثياب والهيئة حتى قام عليهم فسلم ثم قال: بشر الكانزين برضف (10) يحمى عليه في نار جهنم، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض (11) كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثدية فيتزلزل) . ثم ولى فجلس إلى سارية. وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو - فقلت: لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت.

(1) (مثل) صور.
(2) (الشجاع) الذكر من الحيات و (الاقرع) الذي ذهب شعره من كثرة السم.
(3) (زبيبتان) أي نكتتان سوداوان فوق عينه.
(4) (الفاحشة) أي الزنا.
(5) (الاوجاع) أي الامراض.
(6) (السنين) أي الفقر.
(7) (القطر) أي المطر.
(8) (بأسهم) أي حربهم.
(9) هو أبو ذر رضي الله عنه.
(10) (الرضف) أي الحجارة المحماة.
(11) (نغض) أي أعلى الكتف.

قال: إنهم لا يعقلون شيئا، قال لي خليلي، قلت: من خليلك؟ قال: النبي صلى الله عليه وسلم: أتبصر أحدا؟ قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار، وأنا أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسلني في حاجة له، قلت: نعم: قال: ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، وإن هؤلاء لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا، لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله عزوجل.
(4) حكم مانعها: الزكاة من الفرائض التي أجمعت عليها الامة واشتهرت شهرة جعلتها من ضروريات الدين، بحيث لو أنكر وجوبها أحد خرج عن الاسلام، وقتل كفرا، إلا إذا كان حديث عهد بالاسلام، فإنه يعذر لجهله بأحكامه.
أما من امتنع عن أدائها - مع اعتقاده وجوبها - فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخرجه ذلك عن الاسلام، وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهرا ويعزره، ولا يأخذ من ماله أزيد منها، إلا عند أحمد والشافعي في القديم، فإنه يأخذها منه، ونصف ماله، عقوبة له (1) لما رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود، والحاكم، والبيهقي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (في كل إبل سائمة، في كل أربعين ابنة لبون لا يفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا (2) فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة (3) من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لال محمد منها شئ) .
وسئل أحمد عن إسناده فقال: صالح الاسناد.
وقال الحاكم في بهز: حديثه صحيح (4) .
ولو امتنع قوم عن أدائها - مع اعتقادهم وجوبها، وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يقاتلون عليها حتى يعطوها.
لما رواه البخاري، ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس

(1) ويلحق به من أخفى ماله ومنع الزكاة ثم انكشف أمره للحاكم.
(2) (مؤتجرا) أي طالبا الاجر.
(3) (عزمة) أي حقا من الحقوق الواجبة.
(4) روى البيهقي أن الشافعي قال: هذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت قلنا به.

حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الاسلام وحسابهم على الله) .
ولما رواه الجماعة عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر: كيف تقاتل الناس (1) ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله تعالى؟ فقال: والهل لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا (2) كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. فقال عمر: فو الله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق.
ولفظ مسلم، وأبي داود، والترمذي: لو منعوني عقالا (3) بدل (عناقا) .
(5) على من تجب؟:
تجب الزكاة على المسلم الحر المالك للنصاب، من أي نوع من أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة.
ويشترط في النصاب:
1 - أن يكون فاضلا عن الحاجات الضرورية التي لا غنى للمرء عنها، كالمطعم، والملبس، والمسكن، والمركب، وآلات الحرفة.
2 - وأن يحول عليه الحول الهجري، ويعتبر ابتداؤه من يوم ملك النصاب، ولابد من كماله في الحول كله.
فلو نقص أثناء الحول ثم كمل اعتبر ابتداء الحول من يوم كماله.

(1) المراد بهم بنو يربوع وكانوا جمعوا الزكاة وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم.
فهؤلاء هم الذين عرض الخلاف في أمرهم ووقعت الشبهة لعمر في شأنهم مما اقتضى مناظرته لابي بكر واحتجاجه على قتالهم بالحديث. وكان قتاله لهم في أول خلافته سنة إحدى عشرة من الهجرة.
(2) (عناقا) أي أنثى المعز التي لم تبلغ سنة.
(3) التحقيق أنه الحبل الذي يعقل به العبير، وأن الكلام وارد على وجه المبالغة.

قال النووي: مذهبنا، ومذهب مالك، وأحمد، والجمهور: أنه يشترط في المال الذي يجب الزكاة في عينه - ويعتبر فيه الحول، كالذهب، والفضة والماشية - وجود النصاب في جميع الحول، فإن نقص النصاب في لحظة من الحول انقطع الحول. فإن كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين يكمل النصاب.
وقال أبو حنيفة: المعتبر وجود النصاب في أول الحول وآخره، ولا يضر نقصه بينهما، حتى لو كان معه مائتا درهم، فتلفت كلها في أثناء الحول إلا درهما، أو أربعون شاة، فتلفت في أثناء الحول إلا شاة، ثم ملك في آخر الحول تمام المائتين وتمام الاربعين، وجبت الزكاة الجميع (1) .
وهذا الشرط لا يتناول زكاة الزروع والثمار فإنها تجب يوم الحصاد قال الله تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده (2)) .
وقال العبدري: أموال الزكاة ضربان، أحدهما ما هو نماء في نفسه،
كالحبوب، والثمار، فهذا تجب الزكاة فيه، لوجوده.
والثاني ما يرصد للنماء كالدراهم، والدنانير، وعروض التجارة، والماشية، فهذا يعتبر فيه الحول، فلا زكاة في نصابه حتى يحول عليه الحول، وبه قال الفقهاء كافة، انتهى، من المجموع للنووي.
(6) الزكاة في مال الصبي والمجنون: يجب على ولي الصبي والمجنون أن يؤدي الزكاة عنهما من مالهما، إذا بلغ نصابا.
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة (3)) وإسناده ضعيف، قال الحافظ: وله شاهد مرسل عند الشافعي. وأكده الشافعي بعموم الاحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة مطلقا.
وكانت عائشة رضي الله عنها تخرج زكاة أيتام كانوا في حجرها.

(1) لو باع النصاب في أثناء الحول أو أبدله بغير جنسه انقطع حول الزكاة واستأنف حولا آخر.
(2) سورة الانعام.
(3) أي الزكاة.

قال الترمذي: اختلف أهل العلم في هذا: فرأى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مال اليتيم زكاة، منهم عمر، وعلي، وعائشة، وابن عمر، وبه يقول مالك، والشافعي وأحمد، وإسحق.
وقالت طائفة: ليس في مال اليتيم زكاة، وبه يقول سفيان وابن المبارك.
(7) المالك المدين: من كان في يده مال تجب الزكاة فيه - وهو مدين أخرج منه ما يفي بدينه
وزكى الباقي، إن بلغ نصابا، وإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه، لانه في هذه الحالة فقير والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صدقة إلا عن ظهر غني) رواه أحمد. وذكره البخاري معلقا.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) . ويستوي في ذلك الدين الذي عليه لله، أو للعباد، ففي الحديث: (فدين الله أحق بالقضاء) وسيأتي.
(8) من مات وعليه الزكاة: من مات وعليه الزكاة، فإنها تجب في ماله (1) وتقدم على الغرماء (2) والوصية والورثة، لقول الله تعالى في المواريث: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) والزكاة دين قائم لله تعالى.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال (لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟!) قال: نعم. قال: (فدين الله أحق أن يقضى) . رواه الشيخان.
(9) شرط النية في أداء الزكاة: الزكاة عبادة، فيشترط لصحتها النية، وذلك أن يقصد المزكي عند أدائها

(1) هذا مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور.
(2) (الغرماء) أي الدائنون.

وجه الله، ويطلب بها ثوابه ويجزم بقلبه أنها الزكاة المفروضة عليه. قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) .
وفي الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) . واشترط مالك والشافعي: النية عند الاداء. وعند أبي حنيفة: أن النية تجب عند الاداء أو عند عزل الواجب. وجوز أحمد تقديمها على الاداء زمنا يسيرا.
(10) أداؤها وقت الوجوب: يجب إخراج الزكاة فورا عند وجوبها، ويحرم تأخير أدائها عن وقت الوجوب، إلا إذا لم يتمكن من أدائها فيجوز له التأخير حتى يتمكن.
لما رواه أحمد والبخاري عن عقبة بن الحارث قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فلما سلم، قام سريعا فدخل على بعض نسائه. ثم خرج، ورأى ما في وجوه القوم من تعاجبهم لسرعته، قال: (ذكرت وأنا في الصلاة تبرأ (1) عندنا، فكرهت أن يمسى أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته) (2) .
وروى الشافعي، والبخاري في التاريخ عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما خالطت الصدقة مالا قط إلا أهلكته) .
رواه الحميدي وزاد، قال: (يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها، فيهلك الحرام الحلال) .
(11) التعجيل بأدائها: يجوز تعجيل الزكاة وأداؤها قبل الحول ولو لعامين.
فعن الزهري: أنه كان لا يرى بأسا أن يعجل زكاته قبل الحول.
وسئل الحسن عن رجل أخرج ثلاث سنين، يجزيه؟ قال: يجزيه.

(1) التبر: قال الجوهري: لا يقال إلا للذهب وقد قاله بعضهم في الفضة.
(2) قال ابن بطال: فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به فإن الافات تعرض والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود.

قال الشوكاني: وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وبه قال الهادي، والقاسم، قال المؤيد بالله: وهو أفضل.
وقال مالك، وربيعة، وسفيان الثوري، وداود، وأبو عبيد بن الحارث، ومن أهل البيت، الناصر: إنه لا يجزئ حتى يحول الحول.
واستدلوا بالاحاديث التي فيها تعلق الوجوب بالحول وقد تقدمت، وتسليم ذلك لا يضر من قال بصحة التعجيل لان الوجوب متعلق بالحول فلا نزاع، وإنما النزاع في الاجزاء قبله. انتهى.
قال ابن رشد: وسبب الخلاف، هل هي عبادة أو حق واجب للمساكين؟ فمن قال: إنها عبادة، وشبهها بالصلاة، لم يجز إخراجها قبل الوقت، ومن شبهها بالحقوق الواجبة المؤجلة، أجاز إخراجها قبل الاجل على جهة التطوع.
وقد احتج الشافعي لرأيه بحديث علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه ومسلم استسلف صدقة العباس قبل محلها، انتهى.
(12) الدعاء للمزكي: يستحب الدعاء للمزكي عند أخذ الزكاة منه.
لقول الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل (1) عليهم إن صلاتك سكن لهم) .
وعن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بصدقة قال: (اللهم صل عليهم) .
وأن أبي أتاه بصدقة فقال (اللهم صل على آل أبي أوفى) . رواه أحمد وغيره.
وروى النسائي عن وائل بن حجر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة -: (اللهم بارك فيه وفي إبله) .
قال الشافعي: السنة للامام - إذا أخذ الصدقة - أن يدعو للمتصدق، ويقول: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت.

(1) (وصل عليهم) أي أدع لهم.