الفرق بين المشركة والكتابية

فإن كانت حربية (1) فالكراهية أشد، لانه يكثر سواد أهل الحرب.
ويرى بعض العلماء حرمة الزواج من الحربية.
فقد سئل ابن عباس عن ذلك فقال لا تحل، وتلا قول الله عزوجل: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يدينون دين الحق، من الذين أوتوا الكتاب، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ".
قال القرطبي: وسمع بذلك ابراهيم النخعي فأعجبه.
حكمة إباحة التزوج منهن:
وإنما أباح الاسلام الزواج منهن ليزيل الحواجز بين أهل الكتاب وبين الاسلام.
فان في الزواج المعاشرة والمخالطة وتقارب الاسر بعضها ببعض، فتتاح الفرص لدراسة الاسلام، ومعرفة حقائقه ومبادئه ومثله.
فهو أسلوب من أساليب التقريب العملي بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب، ودعاية للهدى ودين الحق.
فعلى من يبتغي الزواج منهن أن يجعل ذلك غاية من غاياته، وهدفا من أهدافه.
الفرق بين المشركة والكتابية (2) :
والمشركة ليس لها دين يحرم الخيانة، ويوجب عليها الامانة، ويأمرها بالخير، وينهاها عن الشر، فهي موكولة الى طبيعتها وما تربت عليه في عشيرها، وهو خرافات الوثنية وأوهامها وأماني الشياطين وأحلامها، تخون زوجها وتفسد عقيدة ولدها.
فإن ظل الرجل على إعجابه بجمالها كان ذلك عونا لها على التوغل في ضلالها وإضلالها.
وإن نبا طرفه عن حسن الصورة، وغلب على قلبه استقباح تلك السريرة،

(1) الحربية: المقيمة في غير ديار الاسلام.
(2) المنار: ج 2 ص 356، 357.

فقد تنغص عليه التمتع بالجمال، على ما هو عليه من سوء الحال. وأما الكتابية فليس بينها وبين المؤمن كبير مباينة.
فانها تؤمن بالله وتعبده، وتؤمن بالانبياء، وبالحياة الاخرى وما فيها من الجزاء، وتدين بوجوب عمل الخير وتحريم الشر.
والفرق الجوهري العظيم بينهما، هو الايمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. والذي يؤمن بالنبوة العامة لا يمنعه من الايمان بنبوة خاتم النبيين إلا الجهل بما جاء به. وكونه قد جاء بمثل ما جاء به النبيون وزيادة اقتضتها حال الزمان في ترقيه، واستعداده لاكثر مما هو فيه، أو المعاندة والمجاحدة في الظاهر، مع الاعتقاد في الباطن - وهذا قليل - والكثير هو الاول.
ويوشك أن يظهر للمرأة من معاشرة الرجل أحقية دينه وحسن شريعته والوقوف على سيرة من جاء بها، وما أيده الله تعالى به من الآيات البينات، فيكمل إيمانها ويصح إسلامها، وتؤتى أجرها مرتين إن كانت من المحسنات في الحالين. ا. هـ.
زواج الصابئة:
الصابئون هم قوم بين المجوس، واليهود، والنصارى. وليس لهم دين.
قال مجاهد: وقيل هم فرقة من أهل الكتاب يقرأون الزبور.
وعن الحسن أنهم قوم يعبدون الملائكة.
وقال عبد الرحمن بن زيد: هم أهل دين من الاديان، كانوا بجزيرة الموصل يقولون لا إله إلا الله، وليس لهم عمل، ولا كتاب، ولا نبي، إلا قول لا إلا إلا الله. قال: ولم يؤمنوا برسول.
فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون لاصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " هؤلاء الصابئون "، يشبهونهم بهم في قول لا إله إلا الله.
قال القرطبي: والذي تحصل من مذهبهم فيما ذكره بعض العلماء أنهم موحدون، ويعتقدون تأثير النجوم وأنها فاعلة.
واختار الرازي: أنهم قوم يعبدون الكواكب، بمعنى أن الله جعلها قبلة

للعبادة والدعاء، أو بمعنى أن الله فوض تدبير أمر هذا العالم إليها.
وبناء على هذا اختلفت أنظار الفقهاء في حكم التزوج منهم.
فمنهم من رأى أنهم أصحاب كتاب دخله التحريف والتبديل، فسوى بينهم وبين اليهود والنصارى، وأنهم بمقتضى هذا يصح الزواج منهم لقول الله عزوجل: " اليوم أجل لكم الطيبات، وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " الآية.
وهذا مذهب أبي حنيفة وصاحبيه.
ومنهم من تردد، لعدم معرفة حقيقة أمرهم فقالوا: إن وافقوا اليهود والنصارى في أصول الدين - من تصديق الرسل والايمان بالكتب - كانوا منهم.
وإن خالفوهم في أصول الدين لم يكونوا منهم، وكان حكمهم حكم عباد الاوثان.
وهذا هو المروي عن الشافعية والحنابلة.
زواج المجوسية (1) :
قال ابن المنذر: ليس تحريم نكاح المجوس وأكل ذبائحهم متفقا عليه.
ولكن أكثر أهل العلم عليه، لانه ليس لهم كتاب، ولا يؤمنون بنبوة، ويعبدون النار.
وروى الشافعي أن عمر ذكر المجوس فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف: لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب (2) ".
فهذا دليل على أنهم ليسوا من أهل الكتاب.
وسئل الامام أحمد: أيصح على أن للمجوس كتابا؟ فقال: هذا باطل، وأستعظمه جدا.

(1) المجوس: هم عبدة النار.
(2) اي حقن دمائهم واقرارهم على الجزية.