هل يقتل القاتل في الحرم

" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " (1) .
ويقول: " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " (2) .
وأخرج البيهقي من حديث البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من غرض غرضنا له (3) ، ومن حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه ".
وقد رضخ الرسول صلى الله عليه وسلم اليهودي بحجر كما رضخ هو رأس المرأة بحجر.
وقد قيد العلماء هذا بما إذا كان السبب الذي قتل به يجوز فعله، فإذا كان لا يجوز فعله - كمن قتل بالسحر - فإنه لا يقتل به، لانه محرم.
قال بعض الشافعية: إذا قتل بإبجار الخمر، فإنه يؤجر بالخل.
وقيل يسقط اعتبار المماثلة.
ورأى الاحناف والهادوية: أن القصاص لا يكون إلا بالسيف.
لما أخرجه البزار وابن عدي عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لاقود إلا بالسيف ".
ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة وقال: " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ".
وأجيب على حديث أبي بكرة بأن طرقه كلها ضعيفة.
وأما النهي عن المثلة فهو مخصص بقوله تعالى: " وإن عاقبتم، فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ".
وقوله: " فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ".
هل يقتل القاتل في الحرم؟
اتفق العلماء على أن من قتل في الحرم فإنه قتله فيه.
فإذا كان قد

(1) سورة البقرة: الآية 194.
(2) سورة النحل: الآية 126.
(3) أي اتخذ المقتول عرضا للسهام.

قتل خارجه ثم لجأ إليه، أو وجب عليه القتل بسبب من الاسباب، كالردة، ثم لجأ إلى الحرم..فقال مالك: " يقتل فيه ".
وقال أحمد وأبو حنيفة: لا يقتل في الحرم، ولكن يضيق عليه، فلا يباع له ولا يشترى منه، حتى يخرج منه، فيقتل خارجه.
سقوط القصاص: ويسقط القصاص بعد وجوبه بأحد الاسباب الآتية: 1 - عفو جميع الاولياء أو أحدهم، بشرط أن يكون العافي عاقلا مميزا، لانه من التصرفات المحضة التي لا يملكها الصبي ولا المجنون (1) .
2 - موت الجاني أو فوات الطرف الذي جنى به، فإذا مات من عليه القصاص، أو فقد العضو الذي جنى به سقط القصاص، لتعذر استيفائه.
وإذا سقط القصاص وجبت الدية في تركته للاولياء عند الحنابلة وفي قول للشافعي.
وقال مالك والاحناف: لا تجب الدية، لان حقوقهم كانت في الرقبة، وقد فاتت، فلاسبيل لهم على ورثته فيما صار من ملكه إليهم.
وحجة الاولين: أن حقوقهم معلقة في الرقبة، أو في الذمة، وهم مخيرون
بينهما، فمتى فات أحدهما وجب الآخر.
3 - إذا تم الصلح بين الجاني والمجني عليه أو أوليائه.
القصاص من حق الحاكم: إن المطالبة بالقصاص حق لولي الدم كما تقدم، وتمكين ولي الدم من الاستيفاء حق للحاكم.
قال القرطبي: لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الامر، فرض عليهم النهوض بالقصاص، وإقامة الحدود، وغير ذلك، لان الله سبحانه طالب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على

(1) إذا عفا الاولياء فليس للحاكم أن يتدخل بالمنع عن العفو.
كما أنه ليس له أن يستقل به إذا طلبوا القصاص.

القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود.
وعلة ذلك ما ذكره الصاوي - في حاشيته على الجلالين - قال: " فحيث ثبت القتل عمدا عدوانا، وجب على الحاكم الشرعي أن يمكن ولي المقتول من القاتل، فيفعل فيه الحاكم ما يختاره الولي من: القتل، أو العفو، أو الدية، ولا يجوز للولي التسلط على القاتل من غير إذن الحاكم (1) ، لان فيه فسادا وتخريبا ".
فإذا قتله قبل إذن الحاكم عزر.
وعلى الحاكم أن يتفقد آلة القتل التي يقتص بها مخافة الزيادة في التعذيب وأن يوكل التنفيذ إلى من يحسنه.
وأجرة التنفيذ على بيت المال.
الافتيات على ولي الدم: قال ابن قدامة: " وإذا قتل القاتل غير ولي الدم فعلى قاتله القصاص،
ولورثته الاول الدية ".
وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه.
وقال الحسن، ومالك: يقتل قاتله، ويبطل دم الاول، لانه فات محله.
وروى عن قتادة، وأبي هاشم أنه لاقود على الثاني، لانه مباح الدم، فلا يجب قصاص بقتله.
وحجة الجمهور في وجوب القصاص على القاتل، أنه محل لم يتحتم قتله، ولم يبح قتله لغير ولي الدم، فوجب بقتله القصاص.
القصاص بين الابقاء والالغاء: لقد ثار الجدل فعلا حول عقوبة الاعدام، وتعرضت لها أقلام الكتاب، من الفلاسفة، ورجال القانون.
أمثال: " روسو، وبنتام، وبكاريا " وغيرهم.

(1) فإذالم يكن للقتيل وارث فالامر فيه إلى الحاكم يفعل ما فيه مصلحة المسلمين، فإن شاء اقتص، وإن شاء عفا على مال، وليس له أن يعفو على غير مال، لان ذلك ليس له، وإنما هو ملك للمسلمين.

ومنهم من أيدها، ومنهم من عارضها ونادى بإلغائها.
واستند القائلون بإلغائها إلى الحجج الآتية: (أولا) أن العقاب حق تملكه الدولة باسم المجتمع الذي تذود عنه، وتقتضيه ضرورة المحافظة عليه وحمايته.
والمجتمع لم يهب الفرد الحياة حتى يمكنه أن يحكم بمصادرتها.
(ثانيا) ولان الظروف وسوء الحظ قد يحيطان ببرئ، فيقضى خطأ بإعدامه، وعند ذلك لا يمكن إصلاح هذا الخطأ، إذ لاسبيل إلى ارجاع حياة المحكوم عليه إليه.
(ثالثا) ولان هذه العقوبة قاسية وغير عادلة.
(رابعا) ولانها أخيرا غير لازمة، فلم يقم دليل على أن بقاءها يقلل من الجرائم التي تستوجب الحكم بها، ورد القائلون ببقاء عقوبة الاعدام على هذه الحجج: فقالوا عن الحجة الاولى: " وهي أن المجتمع لم يهب الفرد الحياة حتى يصادر حياته " بأن المجتمع أيضا لم يهب الناس الحرية، ومع ذلك فإنه يحكم بمصادرتها في العقوبات الاخرى المقيدة للحرية.
والاخذ بالحجة على إطلاقها يستتبع حتما القول بعدم مشروعية كل عقوبة مقيدة للحرية.
على أن الامر ليس وقفا على التكفير عن خطأ الجاني، ولكنه أيضا للدفاع عن حق المجتمع في البقاء، ببتر كل عضو يهدد كيانه ونظمه، الامر الذي يتحتم معه القول بأن عقوبة الاعدام ضرورة تقتضيها عصمة النفس، والمحافظة على كيان المجتمع.
وقالوا عن الحجة الثانية، وهي: " أن العقوبة تحدث ضررا جسيما لا سبيل لاصلاحه ولا إيقافه - إذا حكم القضاء بها ظلما - " بأن احتمال الخطأ موجود في العقوبات الاخرى، ولا سبيل إلى تدارك ما تم تنفيذه خطأ.
على أن حالات الاعدام خطأ تكاد تكون منعدمة، إذ أن القضاة يتحرجون عادة من الحكم بتلك العقوبة، ما لم تكن أدلة الاتهام صارخة.
وردوا على القول ب " أنها غير عادلة " بأن الجزاء من جنس العمل.
وأما القول بأنها غير لازمة، فمردود عليه بأن وظيفة العقوبة - في الرأي