الغنائم

الغنائم:
تعريفها: الغنائم: جمع غنيمة، وهي في اللغة ما يناله الانسان بسعي، يقول الشاعر: وقد طوفت في الآفاق حتى - رضيت من الغنيمة بالاياب وفي الشرع: هي المال المأخوذ من أعداء الاسلام عن طريق الحرب والقتال، وتشمل الانواع الآتية:
1 - الاموال المنقولة.
2 - الاسرى.
3 - الارض.
وتسمى الانفال - جمع نفل - لانها زيادة في أموال المسلمين، وكانت قبائل العرب في الجاهلية قبل الاسلام إذا حاربت وانتصر بعضها على بعض أخذت الغنيمة ووزعتها على المحاربين، وجعلت منها نصيبا كبيرا للرئيس: أشار إليه أحد الشعراء فقال: لك المرباع (1) منها والصفايا (2) وحكمك والنشيطة (3) والفضول (4) إحلالها لهذه الامة دون غيرها: وقد أحل الله الغنائم لهذه الامة: فيرشد الله سبحانه إلى حل أخذ هذه الاموال بقوله: " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور ريحم " (5) .

(1) المرباع: ربع الغنيمة.
(2) الصفايا: ما يستحسنه الرئيس ويصطفيه لنفسه.
(3) النشيطة: ما يقع في أيدي المقاتلين قبل الموقعة.
(4) الفضول: ما يفضل بعد القسمة.
(5) سورة الانفال: الآية 69.

ويشير الحديث الصحيح إلى أن هذا خاص بالامة المسلمة، فإن الامم السابقة لم يكن يحل لها شئ من ذلك.
روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي:
نصرت بالرعب مسيرة شهر. وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فليصل. وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لاحد قبلي. وأعطيت الشفاعة. وبعثت إلى الناس عامة ".
وسبب ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فلم تحل الغنائم لاحد من قبلنا. ذلك لان الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا ". أي أحلها لنا.
مصرفها: كان أول صدام مسلح بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين يوم السابع عشر من رمضان من السنة الثانية من الهجرة في بدر، وقد انتهى هذا الصدام بالنصر المؤزر والفوز العظيم للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ولاول مرة منذ البعثة يشعر المسلمون بحلاوة النصر، ويمكنهم الله من أعدائهم الذين اضطهدوهم طيلة خمسة عشر عاما، والذين أخرجوهم من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا: " ربنا الله ".
وقد ترك المشركون المنهزمون وراءهم أموالا طائلة فجمعها المنتصرون من المسلمين، ثم اختلفوا بينهم، فيمن تكون له هذه الاموال؟ أتكون للذين خرجوا في إثر العدو؟ أو تكون للذين أحاطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وحموه من العدو؟

فأرشد القرآن الكريم إلى أن حكمها يرجع إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
ففي الآية الاولى من سورة الانفال يقول الله سبحانه وتعالى: " يسألونك عن الانفال، قل الانفال لله والرسول ".
كيفية تقسيم الغنائم: وقد بين الله سبحانه وتعالى كيفية تقسيم الغنائم، فقال: " واعلموا أنما غنمتم (1) من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل (2) إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير " (3) .
فالآية الكريمة نصت على الخمس يصرف على المصارف التي ذكرها الله سبحانه وتعالى، وهي: الله ورسوله، وذو القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وذكر الله هنا تبركا.
فسهم الله ورسوله مصرفه مصرف الفئ، فينفق منه على الفقراء، وفي السلاح، والجهاد، ونحو ذلك من المصالح العامة.
روى أبو داود، والنسائي، عن عمرو بن عبسة قال: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعير من المغنم، ولما سلم أخذ وبرة من جنب البعير، ثم قال: " لا يحل لي من غنائكم مثل هذا إلا الخمس، والخمس مردود فيكم ".
أي ينفق منه على الفقراء، وفي السلاح، والجهاد.

(1) غنمتم: أي أخذتموه من الكفار بواسطة الحرب وهو ليس على عمومه وإنما دخله التخصيص لان سلم المقتول لقاتله - والحاكم مخير في الاسارى والارض. ويكون المعنى إنما غنمتم من الذهب والفضة وغيرها من الامتعة والسبي.
(2) المساكين: الفقراء. وابن السبيل: المسافر المنقطع عن بلده.
(3) سورة الانفال: الآية 41.

أما نفقات الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت مما أفاء الله عليه من أموال بني النضير.
روى مسلم عن عمر، قال: " كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولاركاب.
فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقي جعله في الكراع (1) والسلاح عدة في سبيل الله.
وسهم ذي القربى: أي أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، الذين آزروا النبي صلى الله عليه وسلم وناصروه، دون أقربائه الذين خذلوه وعاندوه.
روى البخاري وأحمد عن جبير بن مطعم، قال: لما كان يوم خيبر، قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب.
فأتيت أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول الله: أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم، لمكانك الذي وضعك الله به منهم، فما بال إخواننا من بني المطلب، أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال: " إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام.
وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد ".
وشبك بين أصابعه " ويأخذ منهم الغني (2) والفقير والقريب والبعيد، والذكر والانثى " للذكر مثل حظ الانثيين (3) ".
وهذا مذهب الشافعي، وأحمد.
وروي عن ابن عباس، وزين العابدين، والباقر: أنه يسوى في العطاء بين غنيهم وفقيرهم، ذكورهم وإناثهم، صغارهم وكبارهم، لان اسم القرابة يشملهم، ولانهم عوضوه لما حرمت عليهم الزكاة، ولان الله جعل ذلك لهم، وقسمه الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، وليس في الحديث أنه فضل بعضهم على البعض.

(1) الكراع: الخيل.
(2) قال أبو حنيفة: يعطون لفقرهم إذا كانوا فقراء، وقال الشافعي: يعطون لقرابتهم من الرسول صلى الله عليه وسلم.
(3) سورة النساء: الآية 11.

واعتبر الشافعي أن سهمهم استحق بالقرابة فأشبه الميراث.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي عمه العباس وهو غني - ويعطي عمته صفية.
وأما سهم اليتامى، وهم أطفال المسلمين، فقيل: يختص به الفقراء وقيل: يعم الاغنياء والفقراء، لانهم ضعفاء وإن كانوا أغنياء.
روى البيهقي بإسناد صحيح، عن عبد الله بن شقيق عن رجل قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى، وهو معترض فرسا، فقلت: يا رسول الله ما تقول في الغنيمة؟ قال: " لله خمسها، وأربعة أخماسها للجيش.
" قلت: فما أحد أولى به من أحد؟ قال: " لا، ولا السهم تستخرجه من جيبك، ليس أنت أحق به من أخيك
المسلم.
" وفي الحديث: " وأيما قرية عصت الله ورسوله، فإن خمسها لله ورسوله ثم هي لكم ".
وأما الاربعة الاخماس الباقية، فتعطى للجيش.
ويختص بها: الذكور، الاحرار، البالغون، العقلاء.
أما النساء، والعبيد، والصغار، والمجانين، فإنه لا يسهم لهم.
لان الذكورة، والحرية، والبلوغ، والعقل، شرط في الاسهام.
ويستوي في العطاء القوي، والضعيف، ومن قاتل، ومن لم يقاتل.
روى أحمد، عن سعد بن مالك، قال: " قلت: يا رسول الله، الرجل يكون حامية القوم، ويكون سهمه وسهم غيره سواء؟ قال: ثكلتك أمك ابن أم سعد، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم ".
وفي كتاب حجة الله البالغة: " ومن بعثه الامير لمصلحة الجيش، كالبريد، والطليعة، والجاسوس.
يسهم له وإن لم يحضر الواقعة، كما كان لعثمان يوم بدر، فقد تغيب عنها

بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أجل مرض زوجته، رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه ".
رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وتقسم الغنيمة على أساس أن يكون للراجل سهم، وللفارس ثلاثة: وقد جاءت الاحاديث الصحيحة الصريحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم:
كان يسهم للفارس وفرسه ثلاثة أسهم، وللراجل (1) سهما.
وإنما كان ذلك كذلك لزيادة مئونة الفرس واحتياجه إلى سايس " وقد يكون تأثير الفارس بالفرس (2) في الحرب ثلاثة أصعاف تأثير الراجل (3) .
ولا يسهم لغير الخيل، لانه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لغير الخيل، وكان معه سبعون بعيرا يوم بدر، ولم تخل غزوة من غزواته من الابل وهي غالب دوابهم، ولو أسهم لها لنقل الينا، وكذلك أصحابه من بعده لم يسهموا للابل.
ولا يسهم لاكثر من فرس واحد، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرو عنه ولا عن أصحابه أنهم أسهموا لاكثر من فرس، ولان العدو لا يقاتل إلا على فرس واحد.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: " يسهم لاكثر من فرس واحد، لانه أكثر غناء وأعظم منفعة.
ويعطى الفرس المستعار والمستأجر، وكذلك المغصوب وسهمه لصاحبه.
النفل من الغنيمة: يجوز للامام أن يزيد بعض المقاتلين عن نصيبه بمقدار الثلث، أو الربع.

(1) للراجل: المجاهد على رجليه.
(2) الفارس بالفرس يرى أبو حنيفة رضي الله عنه: ان للفارس سهمين وللراجل سهما، وهذا مخالف للسنة الصحيحة.
(3) يرى بعض العلماء التسوية بين الفرس العربي والهجين.
ويسمى البرذون والاكديش.
ويرى البعض الاخر أنه لا يسوى بينهما.
فإذا لم يكن الفرس عربيا، فإنه لا يسهم له، وأنه في هذه الحال يكون مثل الجمل في عدم الاسهام له.

وأن تكون هذه الزيادة من الغنيمة نفسها، إذا أظهر من النكاية في العدو ما يستحق به هذه الزيادة، وهذا مذهب أحمد وأبو عبيد (1) .
وحجة ذلك، حديث حبيب بن مسلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان ينفل الربع من السرايا بعد الخمس في البداءة، وينفلهم الثلث بعد الخمس في الرجعة ".
رواه أبو داود، والترمذي.
وجمع لسلمة بن الاكوع في بعض مغازيه بين سهم الراجل والفارس، فأعطاه خمسة أسهم لعظم عنائه في تلك الغزوة.
السلب للقاتل: السلب هو ما وجد على المقتول من السلاح وعدة الحرب، وكذلك ما يتزين به للحرب.
أما ما كان معه من جواهر ونقود ونحوها، فليس من السلب، وإنما هو غنيمة.
وأحيانا يرغب القائد في القتال، فيغري المقاتلين بأخذ سلب المقتولين، وإيثارهم به دون بقية الجيش.
وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبل للقاتل، ولم يخمسه.
رواه أبو داود عن عوف بن مالك الاشجعي. وخالد بن الوليد.
وروى ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك: أن البراء بن مالك مر على مرزبان يوم الدارة، فطعنه طعنة على قربوص سرجه فقتله، فبلغ سلبه ثلاثين ألفا، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال لابي طلحة: " إنا كنا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء قد بلغ مالا كثيرا. ولا أراني إلا خمسته ".
قال: قال ابن سيرين: فحدثني أنس بن مالك: إنه أول سلب خمس في الاسلام.

(1) يرى مالك: أن النفل يكون من الخمس الواجب لبيت المال. وقال الشافعي: يكون من خمس الخمس، وهو نصيب الامام.