التختم بالذهب والفضة

التختم بالذهب والفضة
ذهب الجمهور من العلماء إلى حرمة التختم بالذهب (1) للرجال دون النساء.
واستدلوا بالاحاديث الآتية: 1 - عن البراء بن عازب، رضي الله عنه، قال: أمرنا رسول الله بسبع ونهانا عن سبع.
أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، وابرار القسم أو المقسم، ورد السلام.
وفي رواية: وإفشاء السلام، وتشميت العاطس.
ونهانا عن آنية الفضة وخاتم الذهب والحرير

(1) أما اتخاذ الخاتم من غير الذهب فيجوز للرجال والنساء ولو كان أعلى قيمة من الذهب.

والديباج (1) والقسي (2) والاستبرق (3) والمثيرة الحمراء (4) .
2 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب أو فضة وجعل فصه مما يلي كفه ونقش فيه " محمد رسول الله " فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال: لا ألبسه أبدا، ثم اتخذ خاتما من فضة،
فاتخذ الناس خواتيم الفضة.
قال ابن عمر: فلبس الخاتم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان حتى وقع من عثمان في بئر أريس (5) .
3 - ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيطرحها في يده.
فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به.
قال: لاوالله، لا آخذ

(1) الديباج: الثوب الذي سداه ولحمته من حرير.
(2) القسي: ثياب من كتاب مخلوط بحرير.
(3) الاستبرق: غليظ الديباج.
(4) المثيرة الحمراء: غطاء للسرج من الحرير.
(5) أريس: بئر مجاورة لمسجد قباء بالمدينة.

وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1) .
4 - وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أحل الذهب والحرير للاناث من أمتي وحرم على ذكورها " (2) .
وقال المحدثون: إن هذا الحديث معلول لان في سنده سعيد بن أبي هند عن أبي موسى، وسعيد لم يلق أبا موسى ولم يسمع منه.
5 - وأخرج مسلم وغيره من حديث علي قال: " نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القسي وعن القراءة في الركوع والسجود وعن لباس المعصفر " (3) .
هذه أدلة الجمهور لتحريم خاتم الذهب.
قال النووي: وكذا لو ان بعضه ذهبا وبعضه فضة.
وذهب جماعة من العلماء إلى كراهة التختم بالذهب للرجال كراهة تنزيه.

(1) رواه مسلم.
(2) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.
(3) المعصفر: يصبغ الثوب صبغا أحمر على هيئة مخصوصة وقد ذهب جماهير الصحابة والتابعين والفقهاء الى جواز لبس المعصفر إلا الامام أحمد فانه قال: بكراهة لبسه تنزيها.

ولقد لبسه جماعة من الصحابة منهم: سعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وصهيب، وحذيفة، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، ولعلهم حسبوا أن النهي للتنزيه.
آنية الذهب والفضة يحرم الاكل والشرب في أواني الذهب والفضة لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء (1) .
وانما يحل للنساء التحلي بهما تزينا وتجملاكما
تقدم.
وليس الاكل والشرب من هذه الاواني مما أحله الله لهن.
ودليل ذلك الاحاديث الآتية: 1 - عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها (2)

(1) وكذا يحرم الاكل والشرب في الاواني المطلية بالذهب والفضة إن كان يمكن فصل الذهب أو الفضة عن الاناء فإن لم يمكن الفصل بينهما كأن كان مجرد طلاء فقط فإنه لا يحرم.
(2) واحدتها صحفة وهي إناء يسع ما يشبع الخمسة.

فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " (1) .
2 - وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر (2) في بطنه نار جهنم (3) ".
وفي رواية لمسلم: " إن الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب أو الفضة ... ".
ويرى بعض الفقهاء الكراهة دون التحريم وقالوا: إن الاحاديث التي وردت في هذا لمجرد التزهيد.
ورد ذلك بالوعيد عليه في حديث أم سلمة المذكور.
وألحق جماعة من الفقهاء أنواع الاستعمال الاخرى كالتطيب والتكحل من أواني الذهب والفضة بالاكل والشرب.
ولم يسلم بذلك المحققون.
وفي حديث أحمد وأبي داود: " عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا " ما يؤكد ما ذهب إليه المحققون، وفي فتح العلام: الحق عدم تحريم غير

(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) يصب.
(3) رواه البخاري ومسلم.

الاكل والشرب، ودعوى الاجماع غير صحيحة، وهذا من شؤم تبديل اللفظ النبوي بغيره، لانه ورد بتحريم الاكل والشرب فعدلوا عنه إلى الاستعمال وهجروا العبارة النبوية وجاؤوا بلفظ عام من تلقاء أنفسهم - انتهى.
وجمهور الفقهاء على منع اتخاذ الاواني منهما بدون استعمال.
ورخصت فيه طائفة.
الآنية من غير الذهب والفضة: أما اتخاذ الاواني من الجواهر النفيسة وإن كانت أعلى قيمة من الذهب والفضة فيجوز، لان الاصل في الاشياء الحل.
ولم يرد دليل يدل على التحريم.
جواز اتخاذ السن والانف من الذهب:
يجوز للشخص أن يتخذ سنا من الذهب وأنفا منه إذا احتاج إلى شئ من ذلك.
روى الترمذي عن عرفجة ابن أسعد قال: " أصيب أنفي يوم الكلاب فاتخذت أنفا من ورق فأنتن علي فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أتخذ أنفا من ذهب ".
قال الترمذي: روي عن غير واحد من أهل العلم أنهم شدوا أسنانهم بالذهب.
وروى النسائي قال معاوية

وحوله ناس من المهاجرين والانصار: أتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: ونهى عن لبس الذهب إلا مقطعا (1) ؟ قالوا: اللهم نعم.
تشبه النساء بالرجال: أراد الاسلام أن تكون طبيعة المرأة متميزة، وأن يكون مظهرها صورة صادقة لهذه الطبيعة.
كما أراد ذلك للرجل.
فنهى كلا منهما أن يتشبه بالآخر، وحرم عليه ذلك.
وسواء أكان التشبه في اللباس أم الكلام أم الحركة أم غير ذلك.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين (2) من الرجال والمترجلات (3) من النساء " (4) .
وفي رواية:
" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال " (5) .

(1) أي قطعا صغيرة كالسن.
(2) المخنث: من فيه انخناث وهو التكسر والتثني كما تفعل النساء.
(3) المترجلة: هي التي تتشبه بالرجل في الهيئة والقول والفعل والاحوال.
(4) رواه البخاري.
(5) رواه البخاري.

وعن أبي هريرة قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة.
والمرأة تلبس لبسة الرجل " (1) .
لباس الشهرة: وهو الثوب الذي يشهر لابسه بين الناس، ويلحق بالثوب غيره من اللبوس مما يشتهر به اللابس له وهو حرام.
1 - لحديث ابن عمر، قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة " (2) .
2 - وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء " (3) .
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:

(1) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
(2) أخرجه أحمدو أبو داود والنسائي وابن ماجه ورجال اسناده ثقات.
(3) رواه البخاري ومسلم: الخيلاء: الكبر والبطر.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل واشرب والبس وتصدق في غير سوف ولا مخيلة " (1) النهي عن أن تصل المرأة شعرها بشعر غيرها: 1 - عن أبي هريرة أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن لي ابنة عروسا وقد تمزق شعرها من حصبة أفأصله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله الواصلة (2) والمستوصلة والواشمة والمستوشمة ".
2 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " لعن الله الواشمات (3) والمستوشمات والنامصات (4) والمتنمصات (5) ، والمتفلجات (6) للحسن المغيرات خلق

(1) أخرجه أبو داودو أحمد وذكره البخاري تعليقا.
(2) الوصل: وصل الشعر بشعر آخر.
(3) الوشم: غرز ابرة ونحوها في الجلد حتى يسيل الدم ويذر عليه كحل ونحوه حتى يخضر.
(4) النامصة: التي تنتف شعرها بالنماص " الملقاط " من وجهها.
(5) المتنمصة: الطالبة لذلك.
(6) المتفلجات: اللائي يفرقن ما بين الثنايا والرباعيات أو ترقيق الاسنان بالمبرد رغبة في الجمال.

فبلغ ذلك امرأة من بني أسيد تقرأ القرآن اسمها أم يعقوب فأتته فكلمته فقال: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوفي كتاب الله.
فقالت المرأة: لقد قرأت مابين لوحي المصحف فما وجدته.
قال: لو قرأته لوجدته: قال الله تعالى: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " (1) .
3 - وعنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة إلا من داء ".
وفي نيل الاوطار قال: والوصل حرام لان اللعن لا يكون على أمر غير محرم.
قال النووي: وهذا هو الظاهر المختار.
قال: وقد فصله أصحابنا فقالوا: إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف.
وسواء كان شعر رجل أو امرأة وسواء شعر المحرم والزوج وغيرهما بلا خلاف لعموم الادلة.
ولانه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته.
بل يدفن شعره وظفره
وسائر أجزائه.
وان وصلته بشعر آدمي: فإن كان شعرا

(1) رواه الخمسة إلا الترمذي.

بخسا وهو شعر الميتة وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضا للحديث.
ولانه حمل نجاسة في صلاتها وغيرها عمدا.
وسواء في هذين النوعين المزوجة وغيرها من النساء والرجال، وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي فإن لم يكن لها زوج ولاسيد فهو حرام أيضا.
وان كان فثلاثة أوجه: أحدها: لا يجوز لظاهر الاحاديث.
والثاني: يجوز.
وأصحها عندهم ان فعلته باذن الزوج أو السيد جاز والا فهو حرام " انتهى.
أما وصل الشعر بغير شعر آدمي كالحرير والصوف والكتاب أو نحوها فقد أجازه سعيد بن جبير وأحمد والليث.
قال القاضي عياض: فأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه لانه ليس بوصل ولاهو في معنى مقصود الوصل، وانما هو للتجمل والتحسين.
وكما يحرم وصل الشعر على النحو المتقدم ذكره فإنه يحرم إزالة الشعر أي شعر المرأة ونتفه من الوجه إلاأذا نبتت لها لحية أو شوارب فإنه لا يحرم إزالته بل يستحب.
كما ذكره النووي وغيره.

والتفلج ويقال له الوشر: قال النووي: وهذا الفعل حرام على الفاعل والمفعول بها.
قال في نيل الاوطار: ظاهره أن التحريم المذكور انما هو فيما إذا كان لقصد التحسين لا لداء وعلة فإنه ليس بمحرم.
وظاهر قوله " المغيرات خلق الله " أنه لا يجوز تغيير شئ من الخلقة عن الصفة التي هي عليها.
قال أبو جعفر الطبري: في هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز تغيير شئ مما خلق الله المرأة عليه بزيادة أو نقص التماسا للتحسين لزوج أو غيره، كما لو كان لها سن زائدة أو عضو زائد فلا يجوز لها قطعه ولانزعه لانه من تغيير خلق الله.
وهكذا لو كان لها أسنان طوال فأرادت تقطيع أطرافها.
وهكذا قال القاضي عياض وزاد: إلا أن تكون هذه الزوائد مؤلمة وتتضرر بها فلا بأس بنزعها " ا. هـ