مشكل إعراب القرآن

15 - تَفْسِير سُورَة الْحجر

قَوْله تَعَالَى {رُبمَا} فِيهَا أَربع لُغَات يُقَال رُبمَا مخفف وَرُبمَا مشدد ربتما بِالتَّاءِ وَالتَّخْفِيف وبالتاء وَالتَّشْدِيد على تَأْنِيث الْكَلِمَة وَحكى أَبُو حَاتِم الْوُجُوه الْأَرْبَعَة بِفَتْح الرَّاء وَلَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب وَجِيء بِمَا لتكف رب عَن الْعَمَل وَقيل جي بهَا لتمكن وُقُوع الْفِعْل بعْدهَا وَقَالَ الْأَخْفَش مَا فِي مَوضِع خفض بِرَبّ وَهِي نكرَة

قَوْله {ذرهم} وَزنه افعلهم وَأَصله أَو ذرهم فحذفت الْوَاو لوقوعها بَين يَاء وكسرة فِي الأَصْل وَقيل بَين كسرتين فِي الأَصْل لِأَن ألف الْوَصْل مَكْسُورَة والذال وَإِن كَانَت مَفْتُوحَة فِي الِاسْتِقْبَال فحقها الْكسر لِأَن الْمَاضِي وذر وَلَا يَأْتِي يفعل بِالْفَتْح من فعل إِلَّا أَن يكون فِيهِ حرف حلق وَلَا حرف حلق فِي وذر وَإِنَّمَا فتحت الذَّال لِأَنَّهَا مَحْمُولَة على مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ يدع فَلَمَّا كَانَ يذر بِمَعْنى يدع ويدع فَتحه حرف الْحلق وأصل داله الْكسر فحذفت الْوَاو من يدع على أَصله وَلم يلْتَفت إِلَى الفتحة الَّتِي أحدث حرف الْحلق فَلَمَّا كَانَ يذر بِمَعْنى يدع ومحمولا عَلَيْهِ فِي فتح عينه حذفت أَيْضا الْوَاو على الأَصْل لَو اسْتعْمل فَلَمَّا حذفت الْوَاو لما ذكرنَا استغني عَن ألف الْوَصْل فَبَقيَ ذرهم كَمَا هُوَ فِي التِّلَاوَة وَأَصله وعلته مَا ذكرنَا

قَوْله {إِلَّا وَلها كتاب مَعْلُوم} كتاب مُبْتَدأ وَلها الْخَبَر وَالْجُمْلَة فِي مَوضِع نعت للقرية وَيجوز حذف الْوَاو من وَلها لَو كَانَ فِي الْكَلَام

قَوْله {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر} نَحن فِي مَوضِع نصب على التَّأْكِيد لاسم أَن وَيجوز أَن تكون فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ ونزلنا الْخَبَر وَالْجُمْلَة خبر إِن وَلَا يجوز أَن تكون نَحن فاصلة لَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب لِأَن الَّذِي بعْدهَا لَيْسَ بِمَعْرِِفَة وَلَا مَا قاربها بل هُوَ مَا يقوم مقَام النكرَة إِذْ هُوَ جملَة والجمل تكون نعتا للنكرات فَحكمهَا حكم النكرات

قَوْله {كَذَلِك نسلكه} الْكَاف فِي مَوضِع نصب نعت لمصدر مَحْذُوف وَالْهَاء فِي نسلكه تعود على التَّكْذِيب وَقيل على الذّكر

قَوْله {فظلوا فِيهِ يعرجون} الضَّمِير فِي فظلوا وَفِي يعرجون للْمَلَائكَة أَي لَو فتح الله بَابا فِي السَّمَاء فَصَعدت الْمَلَائِكَة فِيهِ وَالْكفَّار ينظرُونَ لقالوا إِنَّمَا سكرت أبصارنا وسحرنا وَمعنى سكرت غشيت أَي غطيت وَقيل الضَّمِير للْكفَّار أَي لَو فتح الله بَابا فِي السَّمَاء فَصَعِدُوا هم فِيهِ لم يُؤمنُوا ولقالوا سحرنَا وسكرت أبصارنا وَالْهَاء فِي فِيهِ للباب

قَوْله {وَمن لَسْتُم لَهُ برازقين} من فِي مَوضِع نصب عطف على مَوضِع لكم لِأَن معنى جعلنَا لكم فِي الأَرْض معايش أنعشناكم وقويناكم وَمن لَسْتُم لَهُ برازقين وَيجوز أَن تنصب من على إِضْمَار فعل تَقْدِيره وَجَعَلنَا لكم فِي الأَرْض معايش وأنعشنا من لَسْتُم لَهُ برازقين وَأَجَازَ الْفراء أَن تكون من فِي مَوضِع خفض عطفا على الْكَاف وَالْمِيم فِي لكم وَلَا يجوز الْعَطف على المخفوض عِنْد الْبَصرِيين وَأَجَازَ الْفراء أَن تكون من فِي مَوضِع نصب على الْعَطف على معايش على أَن تكون من يُرَاد بهَا الاماء وَالْعَبِيد أَي جعلنَا لكم فِي الأَرْض مَا تَأْكُلُونَ وَجَعَلنَا لكم من يخدمكم وتستمتعون بِهِ

قَوْله {إِلَّا من اسْترق السّمع} من فِي مَوضِع نصب على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع وَأَجَازَ الزّجاج أَن تكون من فِي مَوضِع خفض على تَقْدِير إِلَّا مِمَّن اسْترق السّمع وَهُوَ بعيد

قَوْله {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} كَانَ أصل الْكَلَام ملاقح لِأَنَّهُ من ألقحت الرّيح الشّجر فَهِيَ ملقح وَالْجمع ملاقح لَكِن أَتَى على تَقْدِير حذف الزَّائِد كَأَنَّهُ جَاءَ على لقحت فَهِيَ لاقح وَالْجمع لَوَاقِح فاللفظ أَتَى على هَذَا التَّقْدِير وَالْمعْنَى على الآخر لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَّا بِالزِّيَادَةِ وَقد قَرَأَ حَمْزَة الرّيح لَوَاقِح بِالتَّوْحِيدِ وَأنْكرهُ أَبُو حَاتِم لأجل تَوْحِيد لفظ الرّيح وَجمع النَّعْت وَهُوَ حسن لِأَن الْوَاحِد يَأْتِي بِمَعْنى الْجمع قَالَ الله تَعَالَى ذكره وَالْملك على أرجائها بِمَعْنى الْمَلَائِكَة وَحكى الْفراء جَاءَت الرّيح من كل مَكَان كَذَا قَالَ

قَوْله {كلهم أَجْمَعُونَ} أَجْمَعُونَ معرفَة توكيد لَكِن لَا ينْفَرد كَمَا ينْفَرد كلهم تَقول كل الْقَوْم أَتَانِي وَلَا تَقول أجمع الْقَوْم أَتَانِي وَقَالَ الْمبرد أَجْمَعُونَ مَعْنَاهُ غير مُتَفَرّقين وَهُوَ وهم مِنْهُ عِنْد غَيره لِأَنَّهُ يلْزمه أَن ينصبه على الْحَال

قَوْله {إِلَّا إِبْلِيس} اسْتثِْنَاء لَيْسَ من الأول عِنْد من جعل إِبْلِيس لَيْسَ من الْمَلَائِكَة بقوله كَانَ من الْجِنّ وَقيل هُوَ اسْتثِْنَاء من الأول بقوله وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لأدم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس فَلَو كَانَ من غير الْمَلَائِكَة لم يكن مَأْمُورا لِأَن الْأَمر بِالسُّجُود إِنَّمَا وَقع للْمَلَائكَة خَاصَّة وَقد يَقع على الْمَلَائِكَة اسْم الْجِنّ لاستتارهم عَن أعين بني آدم وَقد قَالَ الله تَعَالَى وَلَقَد علمت الْجنَّة إِنَّهُم لمحضرون فالجنة الْمَلَائِكَة

قَوْله {وَإِن جَهَنَّم} جَهَنَّم لَا ينْصَرف لِأَنَّهُ اسْم معرفَة أعجمي وَقيل هُوَ عَرَبِيّ وَلكنه مؤنث معرفَة وَمن جعله عَرَبيا اشتقه من قَوْلهم ركية جهنام إِذا كَانَت بعيدَة القعر فسميت النَّار جَهَنَّم لبعد قعرها

قَوْله {إخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين} إخْوَانًا حَال من الْمُتَّقِينَ أَو من الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي ادخلوها أَو من الضَّمِير فِي آمِنين وَيجوز أَن تكون حَالا مقدرَة من الْهَاء وَالْمِيم فِي صُدُورهمْ

قَوْله {تبشرون} أَصله تبشرونني لَكِن حذف نَافِع النُّون الثَّانِيَة الَّتِي دخلت للفصل بَين الْفِعْل وَالْيَاء لِاجْتِمَاع المثلين وَكسر النُّون الَّتِي هِيَ عَلامَة الرّفْع لمجاورتها الْيَاء وَحذف الْيَاء لِأَن الكسرة تدل عَلَيْهَا وَفِيه بعد لكسر نون الْإِعْرَاب وحقها الْفَتْح لالتقاء الساكنين وَلِأَنَّهُ أَتَى بعلامة الْمَنْصُوب بياء كالمخفوض وَقد جَاءَ كسر نون الرّفْع وَحذف النُّون الَّتِي مَعَ الْيَاء فِي ضمير الْمَنْصُوب فِي الشّعْر قَالَ الْأَعْشَى ... أبالموت الَّذِي لَا بُد أَنِّي ... ملاق لَا أَبَاك تخوفيني ...أَرَادَ تخوفينني فَحذف النُّون الثَّانِيَة وَكسر نون الْمُؤَنَّث لمجاورتها الْيَاء وَالنُّون فِي تخوفينني عَلامَة الرّفْع فِي فعل الْوَاحِد كالنون فِي تبشرون الَّتِي هِيَ علم الرّفْع وَقد قَالَ قوم أَن النُّون المحذوفة هِيَ الأولى وَذَلِكَ بعيد لِأَنَّهَا علم الرّفْع وَعلم الرّفْع لَا يحذف من الْأَفْعَال إِلَّا لجازم أَو ناصب وَقد خَالف جمَاعَة الْقُرَّاء نَافِعًا فِي قِرَاءَته فَقَرَأَ ابْن كثير تبشرون بتَشْديد النُّون وَكسرهَا وَهِي قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أدغم النُّون الَّتِي هِيَ علم الرّفْع فِي النُّون الَّتِي دخلت لتفصل بَين الْيَاء وَالْفِعْل وَحذف الْيَاء لِأَن الكسرة تدل عَلَيْهَا وَقَرَأَ جمَاعَة الْقُرَّاء غَيرهمَا بنُون مَفْتُوحَة مُخَفّفَة هِيَ علم الرّفْع وَلم يعدوا الْفِعْل إِلَى مفعول كَمَا فعل نَافِع وَابْن كثير

قَوْله {إِلَّا آل لوط} آل نصب على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع لِأَن آل لوط لَيْسُوا من الْقَوْم الْمُجْرمين الْمُتَقَدّم ذكرهم

قَوْله {إِلَّا امْرَأَته} نصب على الِاسْتِثْنَاء من آل لوط

قَوْله {أَن دابر هَؤُلَاءِ} أَن فِي مَوضِع نصب على الْبَدَل من الْأَمر إِن كَانَ الْأَمر بَدَلا من ذَلِك أَو بَدَلا من ذَلِك ان جعلت الْأَمر عطف بَيَان على ذَلِك وَقَالَ الْفراء أَن فِي مَوضِع نصب على حذف الْخَافِض أَي بِأَن دابر

قَوْله {مصبحين} و {مشرقين} و {يستبشرون} كلهَا نصب على الْحَال مِمَّا قبلهَا

قَوْله {هَؤُلَاءِ ضَيْفِي} و {عَن ضيف إِبْرَاهِيم} تَقْدِيره ذَوُو ضَيْفِي وَعَن ذَوي ضيف إِبْرَاهِيم وَعَن أَصْحَاب ضيف إِبْرَاهِيم ثمَّ حذف الْمُضَاف

قَوْله {عَن الْعَالمين} مَعْنَاهُ عَن ضِيَافَة الْعَالمين

قَوْله {الأيكة} لم يخْتَلف الْقُرَّاء فِي الْهمزَة والخفض هُنَا وَفِي قَاف وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي الشُّعَرَاء وصاد فِي فتح التَّاء وخفضها فَمن فتح التَّاء قَرَأَهُ بلام بعْدهَا يَاء وَجعل ليكة اسْم الْبَلدة فَلم يصرفهُ للتأنيث والتعريف ووزنه فعله وَمن قَرَأَهُ بالخفض جعل أَصله أيكة اسْم لموْضِع فِيهِ شجر ودوم ملتف ثمَّ أَدخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام للتعريف فَانْصَرف

قَوْله كَمَا {أنزلنَا} الْكَاف فِي مَوضِع نصب على النَّعْت لمفعول مَحْذُوف تَقْدِيره أَنا النذير الْمُبين عقَابا أَو عذَابا مثل مَا أنزلنَا