مشكل إعراب القرآن

10 - تَفْسِير سُورَة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام



قَوْله {أَكَانَ للنَّاس عجبا} اللَّام فِي للنَّاس مُتَعَلقَة بعجب وَلَا تتَعَلَّق بكان لِأَنَّهُ فعل لَا يدل على حدث وَإِنَّمَا يدل على الزَّمَان فَقَط فضعفت فَلَا تتَعَلَّق بِهِ حُرُوف الْجَرّ وَمثله إِن كُنْتُم للرؤيا تعبرون اللَّام فِي للرؤيا مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف يدل على الْمَحْذُوف تعبرون وَفِيه اخْتِلَاف وعجبا خبر كَانَ وَأَن أَوْحَينَا اسْم كَانَ تَقْدِيره أَكَانَ عجبا للنَّاس وحينا إِلَى رجل مِنْهُم أَن أنذر النَّاس

قَوْله {مرجعكم} ابْتِدَاء وَالْخَبَر إِلَيْهِ وجميعا انتصب على الْحَال من الْكَاف وَالْمِيم فِي مرجعكم

قَوْله {وعد الله حَقًا} مصدران وَالْعَامِل فِي وعد مرجعكم لِأَنَّهُ بِمَعْنى وَعدكُم وَعدا وَأَجَازَ الْفراء رفع وعد جعله خَبرا لمرجعكم وَأَجَازَ رفع وعد وَحقّ على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَهُوَ حسن وَلم يقْرَأ بِهِ أحد

قَوْله {ضِيَاء} مفعول ثَان لجعل مَعْنَاهُ جعل الشَّمْس ذَات ضِيَاء وَمن قَرَأَهُ بهمزتين وَهِي قِرَاءَة قنبل عَن ابْن كثير فَهُوَ على الْقلب قدم الْهمزَة الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل فِي مَوضِع الْيَاء المنقلبة عَن وَاو الَّتِي هِيَ عين الْفِعْل فَصَارَت الْيَاء بعد الْألف والهمزة قبل الْألف فأبدل من الْيَاء همزَة لوقوعها وَهِي أَصْلِيَّة بعد ألف زَائِدَة كَمَا قَالُوا سقاء وَأَصله سقاي لِأَنَّهُ من سقى يسْقِي وَيجوز أَن تكون الْيَاء لما نقلت بعد الْألف رجعت إِلَى الْوَاو الَّذِي هُوَ أَصْلهَا فأبدل مِنْهَا همزَة كَمَا قَالُوا دُعَاء وَأَصله دعاو لِأَنَّهُ من دَعَا يدعوا فَيصير وزن ضِيَاء على قِرَاءَة قنبل فلاعا وَأَصلهَا فعال

قَوْله {استعجالهم} مصدر تَقْدِيره استعجالا مثل استعجالهم ثمَّ أَقَامَ الصّفة وَهِي مثل مقَام الْمَوْصُوف وَهُوَ الاستعجال ثمَّ أَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ استعجالهم مقَام الْمُضَاف وَهُوَ مثل هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَقيل تَقْدِيره فِي استعجالهم وَقيل كاستعجالهم فَلَمَّا حذف حرف الْجَرّ نصب وَيلْزم من قدر حذف حرف الْجَرّ مِنْهُ أَن يُجِيز زيد الْأسد فينصب الْأسد على تَقْدِير كالأسد

قَوْله {يهْدِيهم رَبهم} أصل هدى أَن يتَعَدَّى بِحرف جر وَبِغير حرف كَمَا قَالَ الله تَعَالَى اهدنا الصِّرَاط وَقَالَ تَعَالَى فاهدوهم إِلَى صِرَاط

قَوْله {وَلَا أدراكم} رُوِيَ أَن الْحسن قَرَأَ بِالْهَمْز وَلَا أصل لَهُ فِي الْهَمْز لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال درأت إِذا دفعت ودريت بِمَعْنى علمت وادريت غَيْرِي أَي اعلمته

قَوْله {وَإِذا أذقنا} إِذا فِيهَا معنى الشَّرْط وَلَا تعْمل وتحتاج إِلَى جَوَاب غير مجزوم إِلَّا فِي شعر فَأَنَّهُ قد يقدر فِي الْجَواب الْجَزْم فِي الشّعْر فتعطف على مَعْنَاهُ فتجزم الْمَعْطُوف على الْجَواب كَمَا قَالَ قيس بن الخطيم ... إِذا قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... خطانا إِلَى أَعْدَائِنَا فنضارب ...فَجزم نضارب عطف على مَوضِع جَوَاب إِذا وَهُوَ كَانَ وجوابها عِنْد الْبَصرِيين فِي هَذِه الْآيَة قَوْله إِذا لَهُم مكر فَإِذا جَوَاب إِذا تَقْدِيره عِنْدهم مكروا وَمَعْنَاهُ استهزؤوا وكذبوا

قَوْله {إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} من رفع مَتَاعا جعله خبر الْبَغي والظرف ملغى وَهُوَ على أَنفسكُم وعَلى مُتَعَلقَة بالبغي وَلَا ضمير فِي على أَنفسكُم لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَبَر الِابْتِدَاء وَيجوز أَن ترفع مَتَاعا على إِضْمَار مُبْتَدأ أَي ذَلِك مَتَاع أَو هُوَ مَتَاع فَيكون على أَنفسكُم خبر بَغْيكُمْ وَيكون فِيهِ ضمير يعود على الْمُبْتَدَأ وعَلى مُتَعَلقَة بالاستقرار وبالثبات أَو نَحوه تَقْدِيره إِنَّمَا بَغْيكُمْ هُوَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فَإِذا جعلت على أَنفسكُم خَبرا عَن الْبَغي كَانَ مَعْنَاهُ إِنَّمَا بَغْيكُمْ رَاجع عَلَيْكُم مثل قَوْله وَإِن أسأتم فلهَا وَإِن جعلت مَتَاعا خبر الْبَغي كَانَ مَعْنَاهُ إِنَّمَا بغي بَعْضكُم على بعض مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا مثل قَوْله تَعَالَى فَسَلمُوا على أَنفسكُم وَقد قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالنّصب جعل على أَنفسكُم مُتَعَلقا ببغيكم وَرفع الْبَغي بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم لأجل مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا مَذْمُوم أَو مَنْهِيّ عَنهُ أَو مَكْرُوه وَنَحْوه وَحسن الْحَذف لطول الْكَلَام وَلَا يحسن أَن يكون على أَنفسكُم الْخَبَر لِأَن مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا دَاخل فِي الصِّلَة فَيُفَرق بَين الصِّلَة والموصول بِخَبَر الِابْتِدَاء وَذَلِكَ لَا يجوز وَلَا بُد من تَقْدِير حذف الْخَبَر إِلَّا أَن تنصب مَتَاع الْحَيَاة بإضمار فعل على تَقْدِير يمتعون مَتَاع أَو يَبْغُونَ مَتَاع فَيجوز أَن يكون على أَنفسكُم الْخَبَر وَمن نصب مَتَاع جعله مَفْعُولا من أَجله تعدى إِلَيْهِ الْبَغي وأضمر الْخَبَر على مَا ذكرنَا وعَلى مُتَعَلقَة بالاستقرار وَنَحْوه إِذا جعلت على أَنفسكُم الْخَبَر وَفِي الْمَجْرُور ضمير يعود على المبتداء وَيجوز نصب مَتَاع على الْمصدر الْمُطلق تَقْدِيره يمتعون مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا أَو على إِضْمَار فعل دلّ عَلَيْهِ الْبَغي أَي يَبْغُونَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا إِذا جعلت على أَنفسكُم الْخَبَر

قَوْله {وازينت} أَصله تزينت ووزنه تفعلت ثمَّ أدغمت التَّاء فِي الزَّاي فسكن الأول فَدخلت ألف الْوَصْل لسكون أول الْفِعْل وَإِنَّمَا سكن الأول عِنْد الْإِدْغَام لِأَن كل حرف أدغمته فِيمَا بعده فَلَا بُد من اسكان الأول أبدا فَلَمَّا أدغمت التَّاء فِي الزَّاي سكنت التَّاء فاحتيج عِنْد الِابْتِدَاء إِلَى ألف وصل وَله نَظَائِر كَثِيرَة فِي الْقُرْآن وَرُوِيَ عَن الْحسن أَنه قَرَأَ وأزينت على وزن أفعلت مَعْنَاهُ جَاءَت بالزينة لكنه كَانَ يجب على مقاييس الْعَرَبيَّة أَن يُقَال وازانت مثل أقالت فتقلب الْيَاء ألفا لَكِن أَتَى بِهِ على الأَصْل وَلم يعله كَمَا أَتَى استحوذ على الأَصْل وَكَانَ الْقيَاس استحاذ وَقد قرىء وازيانت مثل احمارت وقرىء وازاينت وَالْأَصْل تزاينت ثمَّ أدغمت التَّاء فِي الزَّاي على قِيَاس مَا تقدم ذكره فِي قِرَاءَة الْجَمَاعَة وَدخلت ألف الْوَصْل أَيْضا فِيهِ على الِابْتِدَاء على قِيَاس مَا تقدم

قَوْله {قطعا من اللَّيْل مظلما} مظلما حَال من اللَّيْل وَلَا يكون نعتا لقطع لِأَنَّهُ يجب أَن يُقَال مظْلمَة فَأَما على قِرَاءَة الْكسَائي وَابْن كثير قطعا باسكاء الطَّاء فَيجوز أَن يكون مظلما نعتا لقطع وَأَن يكون حَالا من اللَّيْل

قَوْله {فزيلنا بَينهم} هُوَ فعلنَا من زلت الشَّيْء عَن الشَّيْء فَأَنا أزيله إِذا نحيته وَالتَّشْدِيد للتكثير وَلَا يجوز أَن يكون فعلنَا من زَالَ يَزُول لِأَنَّهُ يلْزم فِيهِ الْوَاو فَيُقَال زولنا وَحكى الْفراء أَنه قرىء فزايلنا من قَوْلهم لَا أزايل فلَانا أَي لَا أفارقه فَأَما قَوْلهم لَا ازاوله فَمَعْنَاه لَا أخاتله وَمعنى زايلنا وزولنا وَاحِد

قَوْله {شَهِيدا} نصب على التَّمْيِيز وَهُوَ عِنْد أبي اسحاق حَال من الله جلّ ذكره وَبِاللَّهِ فِي قَوْله كفى بِاللَّه فِي مَوضِع رفع وَهُوَ فَاعل كفى تَقْدِيره كفى الله شَهِيدا وَالْبَاء زَائِدَة مَعْنَاهَا مُلَازمَة الْفِعْل لما بعده فَالله تَعَالَى لم يزل هُوَ الْكَافِي بِمَعْنى سيكفي لَا يحول عَن ذَلِك أبدا

قَوْله {إِلَى الله مَوْلَاهُم الْحق} مولى بدل من الله أَو نعت وَالْحق نعت أَيْضا لَهُ وَيجوز نَصبه على الْمصدر وَلم يقْرَأ بِهِ

قَوْله {أَنهم لَا يُؤمنُونَ} أَن فِي مَوضِع نصب تَقْدِيره بِأَنَّهُم أَو لأَنهم فَلَمَّا حذف الْحَرْف تعدى الْفِعْل فنصب الْموضع وَأَن الْمَفْتُوحَة أبدا مُشَدّدَة أَو مُخَفّفَة هِيَ حرف على انفرادها وَهِي اسْم مَعَ مَا بعْدهَا لِأَنَّهَا وَمَا بعْدهَا مصدر يحكم عَلَيْهَا بِوُجُوه الْإِعْرَاب على قدر الْعَامِل الَّذِي قبلهَا وَيجوز أَن تكون فِي مَوضِع خفض بِحرف الْجَرّ الْمَحْذُوف وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل لما كثر حذفه مَعَ أَن خَاصَّة عمل محذوفا عمله مَوْجُودا فِي اللَّفْظ وَقيل هَذِه الْآيَة فِي مَوضِع رفع على الْبَدَل من كَلِمَات وَهُوَ قَول حسن وَهُوَ بدل الشَّيْء من الشَّيْء وَهُوَ هُوَ

قَوْله {أَفَمَن يهدي إِلَى الْحق أَحَق أَن يتبع} من رفع بِالِابْتِدَاءِ وأحق الْخَبَر فِي الْكَلَام حذف تَقْدِيره أَحَق مِمَّن لَا يهدي وَأَن فِي مَوضِع نصب على تَقْدِير حذف الْخَافِض وان شِئْت جَعلتهَا فِي مَوضِع رفع على الْبَدَل من من وَهُوَ بدل الاشتمال وأحق الْخَبَر وان شِئْت جعلت أَن مُبْتَدأ ثَانِيًا وأحق خَبَرهَا مقدم عَلَيْهَا وَالْجُمْلَة خبر عَن من

قَوْله {فَمَا لكم} مَا فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ وَهِي اسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التوبيخ والتنبيه وَلكم الْخَبَر وَالْكَلَام تَامّ على لكم وَالْمعْنَى أَي شَيْء لكم فِي عبَادَة الْأَصْنَام

قَوْله {وَلَكِن تَصْدِيق الَّذِي بَين يَدَيْهِ} تَصْدِيق خبر كَانَ مضمرة تَقْدِيره وَلَكِن كَانَ تَصْدِيق فَفِي كَانَ اسْمهَا هَذَا مَذْهَب الْفراء وَالْكسَائِيّ وَيجوز عِنْدهمَا الرّفْع على تَقْدِير وَلَكِن هُوَ تَصْدِيق

قَوْله {وَلَكِن النَّاس} الِاخْتِيَار عِنْد جمَاعَة من النَّحْوِيين إِذا أَتَت لَكِن مَعَ الْوَاو أَن تشدد وَإِذا كَانَت بِغَيْر وَاو قبلهَا أَن تخفف قَالَ الْفراء لِأَنَّهَا إِذا كَانَت بِغَيْر وَاو أشبهت بل فخففت لتَكون مثلهَا فِي الِاسْتِدْرَاك وَإِذا أَتَت الْوَاو قبلهَا خَالَفت بل فشددت وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ ادخال اللَّام فِي خَبَرهَا كَانَ وانشدوا ... ولكنني من حبها لكميد ...وَمنعه البصريون لمُخَالفَة مَعْنَاهَا معنى ان فَمن شددها أعملها فِيمَا بعْدهَا فنصبه بهَا لِأَنَّهَا من أَخَوَات ان وَمن خففها رفع مَا بعْدهَا على الِابْتِدَاء وَمَا بعده خَبره

قَوْله {وَيَوْم يحشرهم كَأَن لم يَلْبَثُوا} الْكَاف من كَأَن وَمَا بعْدهَا فِي مَوضِع نصب صفة لليوم وَفِي الْكَلَام حذف ضمير يعود على الْمَوْصُوف تَقْدِيره كَأَن لم يَلْبَثُوا قبله فَحذف قبل فَصَارَت الْهَاء مُتَّصِلَة بيلبثوا فحذفت لطول الِاسْم كَمَا تحذف من الصلات وَيجوز أَن يكون الْكَاف من كَأَن فِي مَوضِع نصب صفة لمصدر مَحْذُوف تَقْدِيره وَيَوْم يحشرهم حشرا كَأَن لم يَلْبَثُوا قبله إِلَّا سَاعَة وَيجوز أَن يكون الْكَاف فِي مَوضِع نصب على الْحَال من الْهَاء وَالْمِيم فِي يحشرهم وَالضَّمِير فِي يَلْبَثُوا رَاجع على صَاحب الْحَال وَلَا حذف فِي الْكَلَام تَقْدِيره وَيَوْم يحشرهم مشبهة أَحْوَالهم أَحْوَال من لم يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة والناصب ليَوْم اذكر مضمرة وَيجوز أَن يكون الناصب لَهُ يَتَعَارَفُونَ

قَوْله {مَاذَا يستعجل مِنْهُ المجرمون} مَا اسْتِفْهَام رفع بِالِابْتِدَاءِ وَمعنى الِاسْتِفْهَام هُنَا التهدد وَذَا خبر الِابْتِدَاء بِمَعْنى الَّذِي وَالْهَاء فِي مِنْهُ تعود على الْعَذَاب وان شِئْت جعلت مَا وَذَا اسْما وَاحِدًا فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر فِي الْجُمْلَة الَّتِي بعده وَالْهَاء فِي مِنْهُ تعود أَيْضا على الْعَذَاب فَإِن جعلت الْهَاء فِي مِنْهُ تعود على الله عز وَجل وَمَا وَذَا اسْما وَاحِدًا كَانَت مَا فِي مَوضِع نصب بيستعجل وَالْمعْنَى أَي شَيْء يستعجل المجرمون من الله

قَوْله {أَحَق هُوَ} ابْتِدَاء وَخبر فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي ليستنبئونك إِذا جعلته بِمَعْنى يستخبرونك فان جعلته بِمَعْنى يستعلمونك كَانَ أَحَق هُوَ ابْتِدَاء وَخبر فِي مَوضِع المفعولين لَهُ لِأَن أنبأ إِذا كَانَ بِمَعْنى أعلم تعدى إِلَى ثَلَاثَة مفعولين يجوز الِاكْتِفَاء بِوَاحِد وَلَا يجوز الِاكْتِفَاء بِاثْنَيْنِ دون الثَّالِث وَإِذا كَانَ أنبأ بِمَعْنى أخبر تعدت إِلَى مفعولين لَا يجوز الِاكْتِفَاء بِوَاحِد دون الثَّانِي ونبأ وأنبأ فِي التَّعَدِّي سَوَاء

قَوْله {وَمَا تتلو مِنْهُ من قُرْآن} الْهَاء عِنْد الْفراء تعود على الشَّأْن على تَقْدِير حذف مُضَاف تَقْدِيره وَمَا تتلو من أجل الشَّأْن أَي يحدث لَك شَأْن فتتلو الْقُرْآن من أَجله

قَوْله {وَلَا أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر} أَصْغَر وأكبر فِي قِرَاءَة من فتح فِي مَوضِع خفض عطف على لفظ مِثْقَال ذرة وَقَرَأَ حَمْزَة بِالرَّفْع فيهمَا عطفهما على مَوضِع المثقال لِأَنَّهُ فِي مَوضِع رفع بيعزب

قَوْله {الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} الَّذين فِي مَوضِع نصب على الْبَدَل من اسْم ان وَهُوَ أَوْلِيَاء أَو على أَعنِي وَيجوز الرّفْع على الْبَدَل من الْموضع وعَلى النَّعْت على الْموضع وعَلى إِضْمَار مُبْتَدأ وعَلى الِابْتِدَاء وَلَهُم الْبُشْرَى ابْتِدَاء وَخبر فِي مَوضِع خبر الَّذين

قَوْله {وَمَا يتبع الَّذين يدعونَ من دون الله شُرَكَاء} اننصب شُرَكَاء بيدعون ومفعول يتبع قَامَ مقَامه إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن لِأَنَّهُ هُوَ وَلَا ينصب الشُّرَكَاء بيتبع لِأَنَّك تَنْفِي عَنْهُم ذَلِك وَالله قد أخبر بِهِ عَنْهُم وَلَو جعلت مَا استفهاما بِمَعْنى الْإِنْكَار والتوبيخ كَانَت اسْما فِي مَوضِع نصب بيتبع وعَلى القَوْل الأول تكون مَا حرفا نافيا

قَوْله {فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم} كل الْقُرَّاء قَرَأَهُ بِالْهَمْز وَكسر الْمِيم من قَوْلهم أَجمعت على أَمر كَذَا وَكَذَا إِذا عزمت عَلَيْهِ وأجمعت الْأَمر أَيْضا حسن بِغَيْر حرف جر كَمَا قَالَ الله جلّ ذكره إِذْ أَجمعُوا أَمرهم فَيكون نصب الشُّرَكَاء على الْعَطف على الْمَعْنى وَهُوَ قَول الْمبرد وَقَالَ الزّجاج هُوَ مفعول مَعَه وَقيل الشُّرَكَاء عطف على الْأَمر لِأَن تَقْدِيره فاجمعوا ذَوي الْأَمر مِنْكُم وَقيل تَأْوِيل الْأَمر هُنَا هُوَ كيدهم فيعطف الشُّرَكَاء على الْأَمر بِغَيْر حذف وَقيل انتصب الشُّرَكَاء على عَامل مَحْذُوف تَقْدِيره وَأَجْمعُوا شركاءكم فَدلَّ أجمع على جمع لِأَنَّك تَقول جمعت الشُّرَكَاء وَالْقَوْم وَلَا تَقول أَجمعت الشُّرَكَاء إِنَّمَا يُقَال أَجمعت فِي الْأَمر خَاصَّة فَلذَلِك لم يحسن عطف الشُّرَكَاء على الْأَمر على التَّقْدِير الْمُتَقَدّم وَقَالَ الْكسَائي وَالْفراء تَقْدِيره وَادعوا شركاءكم وَكَذَلِكَ هِيَ فِي حرف أبي وَادعوا شركاءكم وَقد روى الْأَصْمَعِي عَن نَافِع فاجمعوا بوصل الْألف وَفتح الْمِيم فَيحسن على هَذِه الْقِرَاءَة عطف الشُّرَكَاء على الْأَمر وَيحسن أَن تكون الْوَاو بِمَعْنى مَعَ وَقد قَرَأَ الْحسن بِرَفْع الشُّرَكَاء عطفا على الْمُضمر الْمَرْفُوع فِي فاجمعوا وَبِه قَرَأَ يَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ وَحسن ذَلِك الْفَصْل الَّذِي وَقع بَين الْمَعْطُوف والمضمر كَأَنَّهُ قَامَ مقَام التَّأْكِيد وَهُوَ أَمركُم

قَوْله {بِمَا كذبُوا بِهِ} الضَّمِير فِي كذبُوا يعود على قوم نوح أَي فَمَا كَانَ قوم الرُّسُل الَّذين بعثوا بعد نوح ليؤمنوا بِمَا كذب بِهِ قوم نوح بل كذبُوا مثل تَكْذِيب قوم نوح

قَوْله {مَا جئْتُمْ بِهِ السحر} مَا مُبْتَدأ بِمَعْنى الَّذِي وجئتم بِهِ صلته وَالسحر خبر الِابْتِدَاء وَيُؤَيّد هَذَا أَن فِي حرف أبي مَا جئْتُمْ بِهِ سحر وَكلما ذكرنَا فِي كتَابنَا هَذَا وَفِي غَيره من قِرَاءَة أبي وَغَيره مِمَّا خَالف خطّ الْمُصحف فَلَا يقْرَأ بِهِ لمُخَالفَته الْمُصحف وَإِنَّمَا نذكرهُ شَاهدا لَا ليقْرَأ بِهِ فَاعْلَم ذَلِكوَيجوز أَن تكون مَا رفعا بِالِابْتِدَاءِ وَهِي اسْتِفْهَام وجئتم بِهِ الْخَبَر وَالسحر خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف تَقْدِيره هُوَ السحر وَيجوز أَن تكون مَا فِي مَوضِع نصب على إِضْمَار فعل بعْدهَا تَقْدِيره أَي شَيْء جئْتُمْ بِهِ وَالسحر خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف وَلَا يجوز أَن تكون مَا بِمَعْنى الَّذِي فِي مَوضِع نصب لِأَن مَا بعْدهَا صلتها والصلة لَا تعْمل فِي الْمَوْصُول وَلَا تكون تَفْسِيرا لِلْعَامِلِ فِي الْمَوْصُول وَقد قَرَأَ أَبُو عَمْرو آلسحر بِالْمدِّ فعلى هَذِه الْقِرَاءَة تكون مَا استفهاما وجئتم بِهِ الْخَبَر وَالسحر خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف أَي هُوَ السحر وَلَا يجوز على هَذِه الْقِرَاءَة أَن تكون مَا بِمَعْنى الَّذِي إِذْ لَا خبر لَهَا وَيجوز أَن تكون مَا فِي مَوضِع نصب على مَا تقدم وَيجوز أَن ترفع السحر على الْبَدَل من مَا وَخَبره خبر الْمُبدل مِنْهُ فَلذَلِك دخله الِاسْتِفْهَام إِذْ هُوَ بدل من اسْتِفْهَام ليستوي الْبَدَل والمبدل مِنْهُ فِي لفظ الِاسْتِفْهَام كَمَا تَقول كم مَالك أعشرون أم ثَلَاثُونَ فتجعل عشرُون بَدَلا من كم وَتدْخل ألف الِاسْتِفْهَام على عشْرين لِأَن الْمُبدل مِنْهُ وَهُوَ كم اسْتِفْهَام وَمعنى الِاسْتِفْهَام فِي هَذِه الْآيَة التَّقْرِير والتوبيخ وَلَيْسَ هُوَ باستخبار لِأَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قد علم أَنه سحر وَإِنَّمَا وبخهم بِمَا فعلوا وَلم يستخبرهم عَن شَيْء لم يُعلمهُ وَفِيه أَيْضا معنى التحقير لما جَاءُوا بِهِ وَأَجَازَ الْفراء نصب السحر فَجعل مَا شرطا وَنصب السحر على الْمصدر وتضمر الْفَاء مَعَ إِن الله سيبطله وَتجْعَل الْألف وَاللَّام فِي السحر زائدتين وَذَلِكَ كُله بعيد وَقد أجَاز عَليّ بن سُلَيْمَان حذف الْفَاء من جَوَاب الشَّرْط فِي الْكَلَام وَاسْتدلَّ على جَوَازه بقوله تَعَالَى وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة بِمَا كسبت أَيْدِيكُم وَلم يجزه غَيره إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر

قَوْله {من فِرْعَوْن وملئهم} إِنَّمَا جمع الضَّمِير فِي ملئهم لِأَنَّهُ اخبار عَن جَبَّار والجبار يخبر عَنهُ بِلَفْظ الْجمع وَقيل لما ذكر فِرْعَوْن على أَن مَعَه غَيره فَرجع الضَّمِير عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه وَقيل الضَّمِير رَاجع على آل فِرْعَوْن وَفِي الْكَلَام حذف وَالتَّقْدِير على خوف من آل فِرْعَوْن وملئهم وَالضَّمِير يعود على الْآل وَقَالَ الْأَخْفَش الضَّمِير يعود على الذُّرِّيَّة الْمُتَقَدّم ذكرهَا وَقيل الضَّمِير يعود على الْقَوْم الْمُتَقَدّم ذكرهم

قَوْله {أَن يفتنهم} أَن فِي مَوضِع خفض بدل من فِرْعَوْن وَهُوَ بدل الاشتمال

قَوْله {فَلَا يُؤمنُوا} عطف على ليضلوا فِي مَوضِع نصب عِنْد الْمبرد والزجاج وَقَالَ الْأَخْفَش وَالْفراء هُوَ مَنْصُوب جَوَاب للدُّعَاء وَقَالَ الْكسَائي وَأَبُو عُبَيْدَة هُوَ فِي مَوضِع جزم لِأَنَّهُ دُعَاء عَلَيْهِم

قَوْله {ننجيك ببدنك} قيل هُوَ من النحاء أَي نخلصك من الْبَحْر مَيتا ليراك بَنو إِسْرَائِيل وَقيل مَعْنَاهُ نلقيك على نجوة من الأَرْض

قَوْله {ببدنك} أَي بدرعك الَّتِي تعرف بهَا ليراك بَنو إِسْرَائِيل وَقيل معنى ببدنك أَي بجسدك لَا روح فِيك ليراك بَنو إِسْرَائِيل

قَوْله {إِلَّا قوم يُونُس} انتصب قوم على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع ويجو ز أَن يكون على الِاسْتِثْنَاء الَّذِي هُوَ غير مُنْقَطع على أَن يضمر فِي الْكَلَام حذف مُضَاف تَقْدِيره فلولا كَانَ أهل قَرْيَة آمنُوا وَيجوز الرّفْع على أَن تجْعَل إِلَّا بِمَعْنى غير صفة للأهل المحذوفين فِي الْمَعْنى ثمَّ تعرب مَا بعد إِلَّا بِمثل إِعْرَاب غير لَو ظَهرت فِي مَوضِع إِلَّا وَأَجَازَ الْفراء الرّفْع على الْبَدَل كَمَا قَالَ ... وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس ... إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس ...فأبدل من أنيس وَالثَّانِي من غير الْجِنْس وَهِي لُغَة بني تَمِيم يبدلون وان كَانَ الثَّانِي لَيْسَ من جنس الأول وَأهل الْحجاز ينصبون إِذا اخْتلفَا وان كَانَ الْكَلَام منفيا وأنشدوا بَيت النَّابِغَة .. إِلَّا أواري لايا مَا أبينها ...بِالرَّفْع وَالنّصب

قَوْله {يُونُس} هُوَ اسْم أعجمي معرفَة وَلذَلِك لم ينْصَرف وَمثله يُوسُف وَقد رُوِيَ عَن الْأَعْمَش وَعَاصِم أَنَّهُمَا قرءا يُونُس ويوسف بِكَسْر النُّون وَالسِّين جعلاه فعلا مُسْتَقْبلا من أنس وأسف سمي بِهِ فَلم ينْصَرف للتعريف وَالْوَزْن الْمُخْتَص بِهِ الْفِعْل قَالَ أَبُو حَاتِم يجب أَن يهمزا وَترك الْهَمْز جَائِز حسن وان كَانَ أَصله الْهَمْز وَقد حكى أَبُو زيد فتح النُّون وَالسِّين فيهمَا على أَنَّهُمَا فعلان مستقبلان لم يسم فاعلهما سمي بهما أَيْضا