مطالبة الكفيل والأصيل معا، أنواع الكفالة

مطالبة الكفيل والأصيل معا:
ومتى انعقدت الكفالة جاز لصاحب الحق أن يطالب الضامن والمضمون معا، كما جاز له أن يطالب أيهما شاء بناء على تعدد محل الحق، كما يرى جمهور العلماء.
أنواع الكفالة:
والكفالة نوعان:
الاول: كفالة بالنفس.
الثاني: كفالة بالمال.
الكفالة بالنفس: وتعرف بضمان الوجه، وهي التزام الكفيل بإحضار الشخص المكفول إلى المكفول له.
وتصح بقوله: أنا كفيل بفلان أو ببدنه أو وجهه، أو: أنا ضامن أو زعيم ونحو ذلك، وهي جائزة إذا كان على المكفول به حق لادمي، ولا يشترط العلم بقدر ما على المكفول لانه تكفل بالبدن لا بالمال.
أما إذا كانت الكفالة في حدود الله، فإنها لا تصح، سواء أكان الحد حقا لله تعالى كحد الخمر، أو كان حقا لادمي كحد القذف.
وهذا مذهب أكثر العلماء، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " لا كفالة في حد ".

رواه البيهقي بإسناد ضعيف وقال: إنه منكر.
ولان مبناه على الاسقاط والدرء بالشبهة، فلا يدخله الاستيثاق، ولا يمكن استيفاؤه من غير الجاني.
وعند أصحاب الشافعي تصح الكفالة بإحضار من عليه عقوبة لادمي كقصاص وحد قذف، لانه حق لازم، أما
إذا كان حدا لله فلا تصح فيه الكفالة.
ومنعها ابن حزم فقال: " لا تجوز الضمانة بالوجه أصلا لا في مال ولا حد، ولا في شئ من الاشياء، لان كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل.
ومن طريق النظر أن نسأل من قال بصحته عمن تكفل بالوجه فقط فغاب المكفول عنه ماذا تصنعون بالضامن بوجهه؟ أتلزمونه غرامة ما على المضمون؟ فهذا جور وأكل مال بالباطل، لانه لم يلتزمه قط.
أم تتركونه؟ فقد أبطلتم الضمان بالوجه، أم تكلفونه طلبه؟ فهذا تكليف الحرج وما لا طاقة له به وما لم يكلفه الله إياه قط.
وأجاز الكفالة بالوجه جماعة من العلماء.
واستدلوا بأنه، صلى الله عليه وسلم، كفل في تهمة، قال: وهو خبر باطل، لانه من رواية إبراهيم بن خيثم بن عراك، وهو وأبوه في غاية الضعف لا تجوز الرواية عنهما.

ثم ذكر آثارا عن عمر بن عبد العزيز وردها كلها بأنها لا حجة فيها، " إذا الحجة في كلام الله ورسوله لا غير ".
ومتى تكفل بإحضاره لزمه إحضاره فإن تعذر عليه إحضاره مع حياته أن امتنع الكفيل عن إحضاره غرم ما عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: " الزعيم غارم ".
إلا إذا اشترط إحضاره دون المال، وصرح بالشرط لانه يكون ألزم ضد ما اشترط، وهذا مذهب المالكية وأهل المدينة.
وقالت الاحناف: يحبس الكفيل إلى أن يأتي به أو يعلم موته، ولا يغرم المال إلا إذا شرطه على نفسه.
وقالوا: إذا مات الاصيل فإنه لا يلزم الكفيل الحق الذي عليه، لانه إنما تكفل بالنفس ولم يكفل بالمال، فلا يلزمه ما لم يتكفل به.
وهذا هو المشهور من قول الشافعي.
وكذلك يبرأ الكفيل إذا سلم المكفول نفسه.
ولا يبرأ الكفيل بموت المكفول له بل تقوم ورثته مقامه في المطالبة بإحضار المكفول.

الكفالة بالمال:
والكفالة بالمال: هي التي يلتزم فيها الكفيل التزاما ماليا، وهي أنواع ثلاثة:
1 - الكفالة بالدين: وهي التزام أداء دين في ذمة الغير.
ففي حديث سلمة بن الاكوع، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، امتنع من الصلاة على من عليه الدين، فقال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلي دينه، فصلى عليه (1)
ويشترط في الدين: (أ) أن يكون ثابتا وقت الضمان كدين القرض والثمن والاجرة والمهر، فإذا لم يكن ثابتا فإنه لا يصح، فضمان ما لم يجب غير صحيح، كما إذا قال: بع لفلان وعلي أن أضمن الثمن، أو: أقرضه، وعلي أن أضمن بدله.
وهذا مذهب الشافعي ومحمد بن الحسن والظاهرية.
وأجاز ذلك أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف، وقالوا بصحة ضمان ما لم يجب.
(ب) أن يكون معلوما، فلا يصح ضمان المجهول، لانه غرر، فلو قال: ضمنت لك ما في ذمة فلان، وهما لا

(1) ذهب الجمهور إلى صحة الكفالة عن الميت ولا رجوع له في مال الميت. والحديث من رواية البخاري وأحمد.

يعلمان مقداره فإنه لا يصح.
وهذا مذهب الشافعي وابن حزم.
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يصح ضمان المجهول.
2 - كفالة بالعين أو كفالة بالتسليم: وهي التزام تسليم عين معينة موجودة بيد الغير مثل: رد المغصوب إلى الغاصب وتسليم المبيع إلى المشتري. ويشترط فيها أن تكون العين مضمونة على الاصيل كما في المغصوب.
فإذا لم تكن مضمونة كالعارية والوديعة فإن الكفالة لا تصح.
3 - كفالة بالدرك: أي بما يدرك المال المبيع ويلحق به من خطر بسبب سابق على البيع، أي أنها كفالة.
وضمانة لحق المشتري تجاه البائع إذا ظهر للمبيع مستحق، كما لو تبين أن المبيع مملوك لغير البائع أو مرهون.
رجوع الكفيل على المضمون عنه: وإذا أدى الضامن عن المضمون عنه ما عليه من دين رجع عليه متى كان الضمان والاداء بإذنه، لانه أنفق ماله فميا ينفعه بإذنه. وهذا مما اتفق الائمة الاربعة عليه. واختلفوا فيما إذا ضمن عن غيره حقا بغير أمره وأداه.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: هو متطوع، وليس له