الوقف، أنواعه

الوقف:

تعريفه: الوقف في اللغة: الحبس.
يقال: وقف يقف وقفا أي حبس يحبس حبسا (1) .
وفي الشرع: حبس الاصل وتسبيل الثمرة.
أي حبس المال وصرف منافعه في سبيل الله.
أنواعه:
والوقف أحيانا يكون الوقف على الاحفاد أو الاقارب
ومن بعدهم إلى الفقراء، ويسمى هذا بالوقف الاهلي أو الذري.
وأحيانا يكون الوقف على أبواب الخير ابتداء ويسمى بالوقف الخيري.
مشروعيته:
وقد شرع الله الوقف وندب إليه وجعله قربة (2)

(1) وأما أوقفت فهي لغة شاذة.
(2) القربة: هي ما جعل الشارع له ثوابا.

من القرب التي يتقرب بها إليه، ولم يكن أهل الجاهلية يعرفون الوقف وانما استنبطه الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا إليه وحبب فيه برا بالفقراء وعطفا على المحتاجين.
فعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " (1) .
والمقصود بالصدقة الجارية " الوقف ".
ومعنى الحديث: أن عمل الميت ينقطع تجدد الثواب له إلا في هذا الاشياء الثلاثة لانها من كسبه: فولده، وما يتركه من علم، وكذا الصدقة الجارية، كلها من سعيه.
وأخرج ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما نشره أو ولدا صالحا تركه أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه

(1) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته ".
ووردت خصال أخرى بالاضافة إلى هذا فيكون مجموعها عشرا.
نظمها السيوطي فقال:
إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من فعال غير عشر
علوم بثها ودعاء نجل وغرس النخل والصدقات تجري
وراثة مصحف ورباط ثغر
وحفر البئر أو إجراء نهر
وبيت للغريب بناه يأوي إليه أو بناء محل ذكر
وقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف أصحابه المساجد والارض والابار والحدائق والخيل. ولا يزال الناس يقفون من أموالهم إلى يومنا هذا.
وهذا بعض أمثلة للاوقاف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:
1 - عن أنس رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله

صلى الله عليه وسلم المدينة المدينة وأمر ببناء المسجد قال: يا بني النجار: تأمنوني (1) بحائطكم (2) هذا؟ فقالوا: والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى. أي فأخذه فبناه مسجدا " (3) .
2 - وعن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حفر بئر رومة فله الجنة. قال: فحفرتها " (4) .
وفي رواية للبغوي: " أنها كانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تبيعنيها بعين في الجنة؟ فقال: يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها. فبلغ ذلك عثمان. فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي ما جعلت له؟ قال: نعم.
قال: قد جعلتها للمسلمين.

(1) أي طلب منهم أن يدفع ثمنه.
(2) الحائط: البستان.
(3) رواه الثلاثة.
(4) رواه البخاري والترمذي والنسائي.

3 - وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدفة أفضل (1) ؟ قال: الماء. فحفر بئرا وقال: هذه لام سعد
4 - وعن أنس رضي الله عنه قال: " كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء (2) .
وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب.
فلما نزلت هذه الاية الكريمة " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " (3) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تعالى يقول في كتابه: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " وإن أحب أموالي إلي بيرحاء.
وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ (4) ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الاقربين، فقسمها أبو

(1) أي أكثر ثوابا.
(2) بستان من نخل بجوار المسجد النبوي.
(3) سورة آل عمران الاية رقم 92.
(4) كلمة يقصد بها الاعجاب والتفخيم لعمله.

طلحة في أقاربه (1) وبني عمه " (2) .
5 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره (3) فيها فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني به؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن شئت حبست أصلها (4) وتصدقت بها ". فتصدق بها عمر: أنها لاتباع ولا توهب ولا تورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول " (5) قال الترمذي: العمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب

(1) أي جعلها وقفا على أقاربه ... وهذا هو أصل الوقف الاهلي.
(2) رواه البخاري ومسلم والترمذي. قال الشوكاني: يجوز التصدق من الحي في غير مرض الموت بأكثر من ثلث المال لانه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما تصدق به وقال لسعد بن أبي وقاص في مرضه " والثلث كثير ".
(3) يستشيره ويطلب أمره.
(4) وقفت الاصل وتصدقت بالريع.
(5) أي غير متخذ منها ملكا لنفسه.